هناك نوعٌ من الظلمة هم الأخطر من بين جميع الفئات التي تتبنى الظلم في نشاطها وحركتها وسلوكها ومواقفها على الحياة والإنسان، إنهم أولئك الذين كان ارتباطهم بالحق ارتباطاً فرضته الظروف المحيطة بهم في زمنٍ ما كوسيلة للخروج مما هم فيه، دون أن يكون لارتباطهم ذاك أدنى أثر على مستوى الفكر أو السلوك أو الروحية، لذلك فهم ما إن يستقر بهم الحال حتى تبدأ قناعتهم الحقيقية بالتسلل شيئاً فشيئاً إلى الواقع من حولهم، وما هي إلا مسألة وقت حتى يصبح كل شيء محكوماً بضيق أفقهم وخاضعاً لأنانيتهم، ومفلسفاً بحسب ما تمليه عليهم أهواؤهم وأمزجتهم، وهم مع ذلك لا يقولون للناس: نحن نسعى لتحقيق مطامعنا على حساب الإخلال بثورتكم والضرب للمنهجية القائمة عليها حركتكم، والانقلاب على الثوابت التي رسختها إرادة القائد القوية وتضحيات المجاهدين المستمرة والدائمة، بل يتظاهرون بالصلاح والتقوى والزهد، ويبدون من رجال الإيمان والورع والإخلاص، ولقد عرفنا وعايشنا أناساً يرتدون ثياب الزهاد على أجسادٍ معجونة بالفساد، ومجبولة على الغش والخداع، صحيحٌ أن منشوراتهم وتغريداتهم وحالاتهم توحي للناس من حولهم بأن الخير والهدى والصلاح يجري في عروقهم، لكن ما إنْ يطلع أولئك الذين من حولهم على بعض أعمالهم وتصرفاتهم وطرق تعاملهم مع من يحتكون بهم أو يعنون بأمر من أمورهم المختلفة حتى يتبين لهم أنهم أمام منافقين مع مرتبة الشرف بكل ما للكلمة من معنى.
إن هذا النوع من الظلمة هم الأخطر على الحياة والإنسان كما سبق أن ذكرنا أعلاه، لأنهم في الوقت الذي يظلمون فيه الناس ويعصون الله ورسوله، ويخالفون كتاب الله، ويتمادون بمخالفة وليه سبحانه في كل شيء، يظهرون بمظاهر تضمن لهم البقاء على ما هم عليه من ظلم وبغي وطغيان وتعدٍ وانحراف، كأنْ يقوم هؤلاء بتقديم أنفسهم للناس على أنهم دعاة إنصاف ورجال عدالة وحق، وهم في الحقيقة أظلم من فرعون، وأشد تكبراً من إبليس، وأكذب من سجاح وألعن من عفاش وزبانيته، ومع كل ذلك يظلون غير معروفين لدى الناس على حقيقتهم.
ولعل ما يخيف المتأمل فعلاً هو: أن هناك لوبياً يتحرك لظلم الناس لا توجد لديه قداسة أو حرمة لشيء، فتوجيهات القرآن وتوجيهات قرينه مضروبٌ بهما عرض الحائط، لأن فيهما ما يضمن لي ولك وله ولهما ولهم ولها ولهن ما يجعلنا نضع رؤوسنا برأس أي أحد كائناً من كان مادمنا أصحاب حق، ثم إذا كان هؤلاء لم يعودوا مستعدين لتنفيذ توجيهات القيادة، بل لديهم أساليبهم في التلاعب بتلك التوجيهات والالتفاف عليها، فمن سيوقفهم عند حدهم ويمنع ظلمهم عن الناس؟
* نقلا عن : لا ميديا