بشرى الغيلي / لا ميديا -
صورتها هزّت العالم بتقاسيم وجهها، ودموعها المعجونة بالبارود نتيجة قصف الطيران لبيتها الطيني المعزول عن السياسة في تلك القريةِ النائية. أصبحت الفاجعة الكبرى وبطلتها المكلومة حمدة صالح الأشطل، قصة امرأةٍ ترويها الأجيال جيلا بعد جيل. هي أم لكل اليمنيين الأحرار، وأيقونة الصمود الأسطوري. 14 ألف غارة على صرواح سجلها التاريخ مطلع العام 2017، تلك الغارات الوحشية التي استهلها طيران العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي باستهداف أسرتها ومنزلها الواقع في وادي حباب بمديرية صرواح ـ محافظة مأرب. فور الغارة ظهرت على شاشة قناة «المسيرة» الفضائية لثوانٍ معدودة رافعة إصبعها باتّجاه السماء: «ليس معنا غير الله في السماء. ضربونا بصاروخ إلى داخل بيتنا. 5 شهداء»، وانهمرت دموعها المحمرّة كجذوة نار ملتهبة، لتُبكي قطاعاً واسعاً من مشاهديها.
«لا» التقتها وأجرت معها حواراً قصيراً تحدثت فيه عن مأساتها التي لخصتها في كلماتٍ مختصرة ضمن السياق.
هاجرنا من قريتنا
الغارة التي استهدف بها طيران العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي منزل حمدة الأشطل في وادي حباب بمديرية صرواح ـ محافظة مأرب، أسفر عنها استشهاد كل من: محمد محسن المحبوبي، أحمد ناصر المحبوبي، صالح أحمد السقاف، بالإضافة إلى اثنين آخرين من المارة، فيما جُرح كل من: خالد علي محمد المحبوبي، نوف علي محمد المحبوبي، والأم حمدة صالح الأشطل، التي تصف مأساتها في فقدانِ خمسة من أفراد أسرتها بقصفِ الطيران لبيتها وفقدانها عائل أسرتها وأطفالها بالقول لـ«لا»: «مأساتي كمأساة كل نساء اليمن. كنّا أسرة سعيدة، نعيش في بلادنا بأمان الله، نعيش ونعتاش من بيع الحطب. وفي صباح أحد الأيام أقبل طيران تحالف العدوان السعودي الأمريكي وقصف منزلنا وسيارتنا التي كانت مصدر رزقنا الوحيد، وكنا ننقل فوقها الحطب. واستشهد في هذا القصف خمسة من أفراد عائلتي، وولدي الثاني وأبناؤه جرحى بدون أي ذنب. هاجرنا من قريتنا إلى صنعاء بحثا عن الأمان».
وبعد أن فقدت حمدة الأشطل عائل الأسرة وأبناءها والمنزل الذي كانت تقطنه، وعما إذا كان أحد ساعدها بإعادة بنائه أو مد لها يد العون والمساعدة، توضح حمدة: «حتى الآن لم يساعدنا أحد ببناء منزلنا الذي قصفه طيران العدوان، بل صرنا مشردين من بلادنا وبيتنا، وأصبحنا نعيش في بيوت الإيجار، وبمساعدةِ بعض فاعلي الخير الذين يتعاونون معنا في دفعِ الإيجار، وليست تلك المنظمات التي تتشدق بالإنسانية».
مطار صنعاء مغلق
«علي» هو أحد أبناء الأم المكلومة حمدة، مصاب نتيجة القصف وحالته تحتاج للعلاج خارج البلد، بينما إغلاق مطار صنعاء حال دون ذلك.
يقول شقيقه غالب محمد محسن المحبوبي (20 عاماً): «شقيقي علي أصيب بمرض الأعصاب وعلاجه صعب جداً، إذ لا يمكن علاجه إلا في الخارج».
وعما إذا كانوا قد استعانوا بأي جهةٍ رسمية لعلاجه، قالت حمدة الأشطل إن وزارة الخارجية سعت لذلك من أجل معالجته في الخارج، ولكن استمرار الحصار وإغلاق مطار صنعاء الدولي حال دون ذلك.
كأي يمنية
صورتها التي انتشرت بشكلٍ كبير عبر كل المواقع أطلقت عليها الكثير من الألقاب والأسماء، نتيجة صمودها في تلك اللحظات وهي تشيع بدموعها شهداءها، أبناءها وزوجها وبيتها. ومن هذه التسميات والألقاب: «خنساء صرواح»، و«أم الأحرار»، و«خنساء مأرب»، و«بنت صرواح العظيمة»، و«الأم الثكلى»، و«الأم المكلومة»... لكن الأم حمدة علّقت بكلماتٍ مختصرة أقوى من كل ما أطلق عليها: «أنا أم من وادي حباب مديرية صرواح، حالي كحال أي أم يمنية استشهد أولادها وزوجها ومصدر رزقها».
كنّا نبيع بها الحطب
كانت الأم حمدة الأشطل تقاوم هي وأسرتها صعوبة العيش والوضع الاقتصادي بسيارةٍ ينقلون على متنها الحطب ليتم بيعه ويجمعون بثمنه احتياجاتهم اليومية، وكانت هي مصدر رزقهم الوحيد. تلك السيارة هي الأخرى فقدوها بالغارة الوحشية التي استهدفت أسرتها وبيتها. وعن كيفية تغلبها على المعاناة بعد فقدان السيارة تقول: «الله هو الرزاق الكريم، وحالنا كحال كل أبناء الوطن، متعبون وما يعلم بالحال إلا الله. وقبل يومين أهدانا السيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي سيارة تساعدنا في حياتنا، ونحن نشكره على اهتمامه الكبير ومتابعته لمساعدةِ المستضعفين».
تختم هذه الأم الجريحة برسالةٍ إلى دول العدوان بمناسبةِ دخول العدوان عامه الثامن: «إن الله عدل في السماء ولا يضيّع المظلومين، ونحن لم نعتدِ على أحد، في وطننا وأرضنا، واليمن فيها رجال الرجال، وقد أرسلت بقية أبنائي إلى الجبهات، واستشهد أحدهم في الجبهة، والبقية ما يزالون في الجبهات، وإن استشهدوا جميعهم في سبيل الله حتى ينتصر اليمن».
* نقلا عن : لا ميديا