يحدثنا تاريخ الرسالات الإلهية، والحركات والثورات الإصلاحية التغييرية، أنه ما من قوةٍ تستطيع أن تقضي على الحق منهاجاً ومجتمعاً، أو تحول دون تحقق أهدافه، مهما كان مستوى تلك القوة، بل إنه كلما ازداد حجم التحديات واتسع نطاق الأخطار، اتسعت الآفاق لدى الرساليين، وعمت الألطاف الربانية جميع واقعهم، فتقوى شوكتهم، وتتتابع انتصاراتهم، وصولاً لحصول التمكين، ودخول الناس أفواجاً في دين الله، وعندها فقط يطل على الرساليين تحدٍ من نوع آخر، وهو التحدي الأخطر على الإطلاق لعدة أسباب أبرزها، أنه ينطلق من داخل الوسط الحامل للرسالة العامل على إحقاق الحق، ومن خلال شخصيات لها وزنها وثقلها بين الرساليين، شخصيات يشهد الجميع بأسبقيتها في الاستجابة والتحرك، إلى الحد الذي يجعل عامة الناس في ذلك الوسط التغييري والثوري لا يشكون بصدق التزامها بدين الله، وإخلاصها للرسالة، ومدى حرصها وتفانيها في نصرة الحق والدفاع عن مواقعه، إلى جانب أنها تجيد التمثيل إجادةً تامة، بحيث تتمكن من اجتذاب الناس إلى صفها بيسر وسهولة، مع حرصها على التظاهر بالزهد والورع حتى تتمكن من الوصول لغايتها، وتصبح هي صاحبة القرار الأول والأخير.
وقد حمل لنا تاريخ صدر الإسلام نماذج من تلك الشخصيات، لا بد علينا من دراستها حتى نتسلح بالوعي الذي سيمنع من أن تتكرر في واقعنا، فتجر علينا البلاء كما جره سلفها على أمتنا في الماضي ولانزال نعاني من تبعاته في جميع أوضاعنا وأحوالنا وعلى كل صعيد حتى اليوم، أما إذا أردنا التعرف على أبرز سمات تلك الشخصيات التي تتحرك من الداخل وباسم الحق للانقلاب عليه فهي كما يلي:
الانشداد للماضي المنحرف، والتمسك بكل مخرجاته والتزامها كعادات وأعراف ونظام حياة، حتى وإن كانت متناقضة مع تعاليم الوحي ومبادئ الرسالة.
الرغبة الشديدة بالوصول إلى كرسي الحكم والسلطة، وإن أدى ذلك إلى مخالفة أمر الله ورسوله.
إذكاء نيران العصبية الجاهلية، مع العمل على اختراع نصوص باسم الشرع من أجل إضفاء شيء من المشروعية عليها.
التحرك بناءً على ما ينسجم مع هوى النفس، ويتوافق مع المزاج الشخصي، بالمستوى الذي يجعل من تلك الشخصيات فوق القرآن وفوق الرسول وفوق الدين، فهي المبدأ والمنتهى ولا شيء غيرها.
التثاقل في تنفيذ كل ما يؤمر به الرسول أو الولي أحياناً، والسعي في الكثير من الأحيان للحيلولة دون تنفيذ تلك الأوامر والتوجيهات، إما باستعمال القوة، وإما بالتشكيك بالرسول أو القائد، سواءً بالنيل منه بشكل صريح وفج وذلك بالحط من قدره بالكلية، أو بالتشكيك في صوابية ما يدعو إليه،، حتى وإن وصل بهم الحال إلى أن يتهموه مباشرةً بالجنون أو الخرف.
* نقلا عن : لا ميديا