تضيع الكثير من الثورات وتموت الكثير من الآمال وتُهدر الكثير من الأوقات، عندما يعتمد أصحاب القضية ورجال الفعل الثوري على مَن يرون الثورة والجهاد والمعاناة والتحولات والإنجازات وغيرها، عبارة عن لون من ألوان الموضة التي يتطلبها الواقع الزمني والحياتي، بحيث يصبح هؤلاء هم المعنيين برسم مسارات العمل التوعوي والتثقيفي والعلمي، وتحديد آفاق التحرك الإعلامي، من باب ما يجب وما لا يجب، لأن مَن يتعامل مع الثورة كموضة لا بد أن يعادي كل ما يوحي باستلهام تجارب الماضي واستيعاب مجريات الحاضر وملامح رسم المستقبل، لكي يبقى مكانه حتى تظهر فكرة جديدة وتوجه جديد فينقلب إليه بعد أن يتنكر لما كان يدعي أنه من أكثر الناس قناعةً والتزاماً به.
إن المواكبين للموضة هم أكثر الناس جنايةً على الثورة والثوار، باعتبار وجود نزعة الأنانية وحب الذات والشعور بالاستغناء عن أي جهد عملي أو فكري قد يسهم في نجاح أي توجه عملي للإصلاح في أي مجال من المجالات لكونهم يرون أن أي فكرة أو جهد جديد سيضافان لمجالهم العملي تدخل سافر بخصوصياتهم، وعمل عدائي يهدف من قام به للنيل منهم وأخذ ما يرونه حقاً حصرياً لهم فقط، لذلك فهم لن يدخروا شيئاً من المكر والخداع والدس والحيلة والتشويه وكل ممكنات القتل المعنوي لكل مَن يجدونهم أهلاً لتولي المواقع التي هم فيها تحت أي ظرف من الظروف، باعتبار أن كل هذا التوجه الحاقد مبني على حماية الذات، ولا دخل لهم في ما سواها.
ولهذا تجد اليوم الكثير من هؤلاء وقد أصبحت الأنا المحور الكوني بالنسبة لهم والقطب القائم عليه وجودهم، ولا فرق في أن تصبح الأنا هي الغاية في كل ما يقوم به الواحد منهم، والهدف الذي يسعى من أجله، أو أن تلتقي بسواها فتتجمع كل منابع الأنا في مسار واحد، لتشكل مع بعضها طوفان الـ»نحن» الذي سيقضي على كل شيء، وما أكثر الملامح التي تشير باقتراب هذا التشكل المفزع في واقعنا العملي، خصوصاً الواقع الإعلامي، الذي لايزال محمولاً على ظهر حمارٍ أعرج.
* نقلا عن : لا ميديا