ما كانت الثورة الإسلامية في إيران، أو حركة المقاومة والجهاد في لبنان، وعلى رأسها حزب الله، أو المسيرة القرآنية في يمننا الحبيب، قادرةً على صنع كل هذه التحولات، وتحقيق كل ما لم يكن في الحسبان من الانتصارات، وامتلاك القدرة على التكيف مع مختلف الظروف، بالمستوى الذي يحولها إلى فرص لبناء وتعزيز عوامل القوة اللازمة لمواجهة جميع التحديات والأخطار الناجمة عن التوجه الاستعماري لقوى الاستكبار والهيمنة، بل وتحقيق الانتصار والغلبة عليها وعلى سائر أدواتها في المنطقة والإقليم، لو لم يكن العماد الذي استندت إليه تلك الحركات جميعها على مستوى العقيدة الدينية والملامح الفكرية التي تضع من خلالها تصورها عن الكون والحياة والإنسان، والأساس الذي تعتمد عليه في سلوكها وحركتها هو: المعرفة لله سبحانه وتعالى، خالق الكون ومالكه ومدبره وسلطانه، ومَن بيده الأمر كله، مسبب الأسباب، والناظم لحركة الوجود وفق ما قضت به سننه الجارية على الأولين والآخرين «ولن تجد لسنة الله تبديلاً». إنها المعرفة القائمة على أساس القرآن، والمتحسسة لآفاق الرحمة الإلهية، وجوانب العظمة وأسرار القدرة، ومظاهر العزة والملك في الأنفس وفي كل عناصر وأجزاء هذا الكون، وفي كل ما احتواه من المخلوقات متحركها وساكنها، والتي تبعث على التنزيه لله سبحانه في ذاته، بنفي تشبيهه بمخلوقاته فهو الذي «ليس كمثله شيء». وتنزيهه بأفعاله، فحاشاه عن فعل القبيح، أو الجبر لعباده على ارتكاب المعصية وكل ما هو شر، وتنزيهه في وعوده، فهو الذي لا يخلف الميعاد، وتنزيهه في تشريعاته، باعتبار أنها الحق والخير، والتي لا يمكن لها أن تقر فساد المفسدين، أو تعطي المشروعية لظلم الظالمين، الذين لعنهم الله، وأمر بالتصدي لهم ومحاربتهم، وحماية الحياة من بغيهم وطغيانهم.
وهكذا استقرت كل هذه المضامين في نفوس المجاهدين، دافعةً لهم نحو الحركة لتحمل المسؤولية المكلفين بحملها من الله، بعد أن أكسبتهم القوة المعنوية، والغنى الروحي، فلم تعد هنالك أي نافذة لتسلل الهزيمة إلى نفوسهم، نتيجة ما لدى عدوهم من إمكانات وقوى مادية، كما لم يعد هنالك ولو على سبيل الإيحاء الشعوري بإمكانية حصول الانكسار والتراجع أمام أي هجمة لقوى الكفر والنفاق، مهما اختلفت المواقف وتبدلت المواقع واشتدت الأزمات من حولهم، فسيبقون على ذات النهج والطريق، ولن تزيدهم الأحداث والتحديات إلا إيمانا وثقة بربهم، فاتحةً لهم المزيد من الآفاق على مستوى القدرة على الفعل والتحرك في أكثر من اتجاه، أياً كان مستوى الأخطار، وحجم الصعوبات، إذ إن الغاية من وراء كل ما يقومون به هي: الحصول على رضا الله فقط لا غير، الأمر الذي يبقيهم في تطلع دائم لزمن تحقق وعد ربهم لهم بالنصر والغلبة والتمكين في الأرض، حتى في أشد الحالات بشاعة ومأساوية، إلى الدرجة التي يوضحها الشهيد القائد رضوان الله عليه بقوله: إن المؤمن لا يعيش الشعور بالهزيمة، أو ضياع الأهداف، أو القضاء على المسيرة التي يمثلها، حتى وإن وصل به الحال إلى أن يجد الشمر بن ذي الجوشن جاثماً على صدره، بغية قطع رأسه، فلن يزيده ذلك إلا يقينا بالنصر لقضيته، كما تحقق له بالقتل في سبيل الله النصر على المستوى الشخصي.
من هنا يبقى الأمل حاضراً في نفوس العاملين لله، تماماً كما يتجلى الإيحاء باقتراب طلوع الفجر من قلب أحلك الليالي ظلمةً، وإن لم يكن ذلك على يد الجيل الأول، فإنه لا شك حاصلٌ على يد الجيل الثاني من المجاهدين، والذين تمت تربيتهم وتهيئتهم على يد إخوانهم الذين سبقوهم جهاداً وإيماناً، والذين ذابوا في الحق، وتلاشت ذواتهم الفردية، واختفت مطامعهم الشخصية، وطهرت قلوبهم من الأنانيات، كنتيجة طبيعية لوعيهم بأن سبيل الله الذي اختاروا التحرك فيه يقتضي: بذل النفس والمال وكل ما يمثل دلالة على وجودهم الشخصي في هذه الحياة الدنيا.
* نقلا عن : لا ميديا