لسنا انتقاميين نعم، ولسنا حاقدين نعم، ولم تأتِ ثورة 21 أيلول/ سبتمبر لتنصب المشانق، أو لتقطع الرؤوس، وتعلقها في الميادين والطرق العامة، كما لم تقم بنفي أحد، أو إقصائه، أو السطو على ممتلكاته ومصادرتها لصالحها، وإنما جاءت بالسلم والشراكة، وهذا ما ميزها عن كل الثورات محلياً وعالمياً، ولقد بلغ ما أظهرته من تسامح، وأبدته من صفح وعفو بحق خصومها ومناوئيها المحليين من شخصيات وجماعات وأحزاب وقوى الحد الذي يثير سخط معظم جماهيرها الأوفياء والمخلصين عليها، نتيجة تواطئها مع الذين مارسوا السرقة والنهب لثروات ومقدرات الشعب اليمني على مدى عقود من الزمن، ولم يقتصر الأمر على سرقتهم ونهبهم للحق العام، بل لقد قاموا بنهب المواطن، وأخذ ما يمتلكه عنوةً، وتحت التهديد بالموت إن لم يسلم ما بيده لهم، ويقر بملكيتهم عليه، وهذا ليس خافياً على أحد من أبناء الشعب اليمني، إذ لا يمكن أن تجد أسرةً أو قبيلة داخل المجتمع إلا وتجد أحد أفرادها على أقل تقدير قد اكتوى بنيران أطماع عفاش وعائلته وسماسرته، أو محسن والأحمر وزبانيتهما، على امتداد الأرض اليمنية بطولها وعرضها.
ومع ذلك لم نسمع إلى اليوم ما يوحي بوجود توجه من قبل أجهزة الدولة وسلطاتها المختلفة لاستعادة الحق العام من هذه الهوامير، أو إرجاع العقارات والأموال التي سلبها هؤلاء من المواطنين إلى أصحابها، ومازلنا نتوق لللحظة التي سنصحو فيها على أصداء خبر صدور قرار جمهوري يقضي: بمصادرة جميع ممتلكات كبار المنافقين والعملاء، وتأميمها لصالح الشعب اليمني، وكلنا أمل أن يطيل الله أعمارنا حتى نشهد هذه اللحظة، فتستريح نفوسنا لما ستراه وتسمعه حينها، وقبل هذا وبعده فإننا على ثقةٍ بأن الرائد لا يكذب أهله، ولاسيما إذا كان هذا الرائد هو: 21 أيلول ثورةً وقيادةً.
ومادمنا نعتز بانتمائنا لهذه الثورة المجيدة والمباركة، ونعتبر ولاءنا لقائدها ديناً ندين اللهَ به، فلا بد أن نبدي ما باتت تختلج به قلوبنا من آلام، ويعتري نفوسنا من أحزان، ويخيم علينا من أسى وحسرة، كلما سمعنا بأن هناك مَن ناصب الشعب اليمني العداء، وانضم إلى صفوف محتليه وقتلته، وعمل كل ما بوسعه لكي يعينهم على نيل مبتغاهم الشيطاني، وتحقيق أهدافهم التدميرية، واستمر لسنوات تفاوت عددها من مرتزق لآخر، فهناك مَن قضى مدة ارتزاقه في ثلاث أو أربع سنين، وهناك مَن جاوز الست أو السبع من عمر العدوان، وهو يقتل، ويخون، ويقترف كل الموبقات بحق اليمن وأهله، وفجأة صحا ضميره، وعاد إلى رشده، فقرر العودة إلى الوطن، مستغلاً العفو العام، الذي لايزال ساري المفعول حتى اليوم، ومعاذ الله أن نستنكر بقاءه واستمراريته، كما لم نمتعض من صدوره، لكونه يعكس قيم ومبادئ الإسلام، ويمثل امتدادا حيا لأخلاق النبوة المحمدية، كما لسنا ضد العائدين من حظائر وأوكار العمالة والارتزاق، ولا ضد بقاء يد الثورة ممدودةً بالصفح عنهم متى ما آثروا العودة عن البقاء في صفوف العدوان، ولكننا ضد أن تمتد يد الإنقاذ لتسلم لبعضهم رقابنا، وترفعهم إلى مقام يمنحهم الحق في المشاركة بتقرير مصيرنا، هذا هو ما يؤلمنا، ويثقل على نفوسنا، ولم يعد بوسعنا السكوت عنه، ولا نجد ثمة طاقة تعيننا على احتماله أكثر، إذ هناك مَن عاد ليجد المنصب بانتظاره، وليت الأمر ظل مقتصراً على منحهم وظائف مدنية، بل لقد تجاوز ذلك بكثير، فأنت واجد المرتزق فلانا قد أصبح قائد منطقة أمنية في إحدى المديريات، وآخر ضابطا في القوات المسلحة، له كامل الصلاحيات، وآخر في جهاز المخابرات وهكذا، فهل هناك شيء أدهى وأمر من هكذا حقائق؟
نحن مع عودة المخدوعين أو الخونة أو المنافقين، أو سموهم ما شئتم، إلى قراهم ومناطقهم، كيمنيين يستظلون بظل الثورة، ويعيشون بسلام بين أهاليهم وذويهم، وعفا الله عما سلف، فلا تثريب عليهم، ولكن على أن يظلوا طلقاء وعتقاء بنظر الصامدين والثوار، وعند القيادة، لا أن يصبحوا بين عشيةٍ وضحاها قادةً وأمراء، يوكل إليهم أمر شعب غاصوا في برك من دمه المسفوك حتى أعناقهم، وكاد من كثرته يغرقهم، إلا إذا كان لدى البعض رغبةٌ بجعلها سفيانيةً مروانيةً، بعد أن كانت محمديةً علوية.
* نقلا عن : لا ميديا