كفاك أحلاماً، وأنت القابع تحت سماء أرضٍ أدمنت اغتيال آمال ساكنيها عبر العصور، فما انطلقوا لحمل راية ثورةٍ إلا واصطدموا بجشع ومكر وغدر أهل الثروة، وما إن قطعوا شوطاً نحو الغد المنشود، إلا ليقعوا مجبرين في شرك الماضي بكل سوداويته وسلبياته وقبحه.
أي طريقٍ ستختار، وكل الطرق تؤدي إلى شفير أودية الضياع والهلاك؟
حسناً بإمكانك عدم تصديق مثل هذه الاستنتاجات، الموحية باليأس من حدوث أي تغيير حقيقي على أرض الواقع نحو الأفضل، والمليئة بصور الإحباط الذي يغشى ساحة مشهد الحياة اليومي بكل تفاصيلها، وجميعها تردد: ليس بالإمكان صنع ما هو أفضل مما كان، ولكن ما الذي ستعمله كي تصرف عنك كل هذه الطاقة السلبية؟ ربما ستتجه لسماع الأناشيد والزوامل، المفعمة بالحماس والتفاؤل والقوة، وربما ستتجه لمطالعة سير وتاريخ أكثر من شخصية جهادية، قضت شهيدةً في سبيل الله، بعد أن ضربت أروع الأمثلة في الشجاعة، وصدق التولي، والصبر والإخلاص، والتجرد من كل المطامع والأهواء، والبعد عن كل منقصةٍ، والتنزه عن الوقوع في الدنس المادي والمعنوي، ولكنك سرعان ما ستعود مجبراً للتحديق في الواقع، الذي يكاد يخلو من وجود أي أثرٍ لكل تلك المعاني السامية، والقيم العظيمة والنبيلة، فالمسؤول بحسب العادة لا يحمل روحية الشاعر، بل روحية التاجر، كما لا يحمل قضية الشهيد، ولا همه، ولا إيمانه، ولا معنوياته وعزمه، ولعل في المثل الذي سنضعه بين يديك بيانا لمدى الفرق، وحجم الاختلاف بين هم المسؤول، وآفاق وهم الشهيد:
فالمسؤول أعلى ما لديه من حس بالمسؤولية تجاه الناس، ما يكتفي بسرده في كلمة مناسباتية، أو خطاب جماهيري، ثم إنه لا سبيل للمقارنة بينه وبين الشهيد، فالشهيد يعمل ليغير العالم، بينما المسؤول يعمل بأقصى ما لديه من وقت وجهد على المحافظة على وزن وحجم رغيف العيش، وحبة الروتي، ولا شيء آخر خارج هذه الدائرة بإمكانه القيام به كما يجب.
* نقلا عن : لا ميديا