نعوذ بالله من نفوسٍ قابضةٍ على الوهم، مسكونةٍ بالأمل الكاذب، مطمئنةٍ لقبيح عملها، وسوأ فشلها، ميالةٍ إلى الهدوء وحب الراحة، ذاهبةٍ نحو السقوط والضياع والعدمية، نفوسٍ بنت على خراب نابع من الداخل أفكارها، فانعكس ذلك التصدع والانهيار الداخلي الخفي الموجود في بواطنها على ظواهر الأشياء من حولها، حينما بدأت بتحريك أقدامها بقصد التأكيد لوجودها من خلالها، والإبراز لمدى فاعليتها وقدرتها على إحداث الأثر فيها، وعلى الرغم من تجلي سوء فعالها للناظرين، وبروز مؤشرات خسرانها في ميدان الحياة لدى العالمين، فإنها تظل مصرةً على موقفها، بأنه هو الموقف الحق والسليم، متمسكةً بكل تلك المفاهيم والمقاييس والأساليب والخطط والبرامج التي تحكم حركتها في الواقع العملي، باعتبارها الخير الذي لا يعتريه شر، والحسن الذي لا يخالطه قبح أو فساد، فلا تلقي بالاً لنصح الناصحين، ولا تتعظ بتجارب الآخرين، ولا تفيد من ذكرى، ولا تعيش الشكر للمنعم، ولا تزن أعمالها بميزان التقوى، فكانت بحق مصداقاً لقوله تعالى: «قل هل أُنبئكم بالأخسرين أعمالاً، الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا».
إنها نفوسٌ اكتفت بانضمامها إلى الحق على الشكل والمظهر، دون المضمون والجوهر، فكانت كسحابة صيفٍ في صحراء، لا تسمع وترى سوى رعدها وبرقها فقط، فتظل منشداً إليها متى تمطر، حتى يحيط بك الفناء من كل مكان، وأنت واقف في مكانك، لا تقدر على فعل شيء، والحال ذاته مع كل أولئك الذين يقابلون كل الدعوات والتوجيهات الثورية لإصلاح الوضع، وتجاوز سقطات الراهن، وتركة الماضي البغيض بكل تبعاتها ومظاهرها وأمراضها وسلبياتها، بالتنظيرات التي يفاجئونك بها بين فترةٍ وأخرى، فتبقى مع سيل من المدونات والرؤى ودلائل الأعمال، دون أن تلمس أي تأثير لها على أرض الواقع، ولو بالحد الأدنى، فتصل إلى قناعة مفادها: أن معظم تلك التنظيرات أتت من أناسٍ لا يعيشون مع الناس، ولا يقاسون ما يقاسيه الكبير والصغير والقريب والبعيد، إنهم يقولون: بأنهم يعانون مثلنا أمام وسائل الإعلام، وهذا ليس صحيحا، فمخصصاتهم ورواتبهم، وكل امتيازاتهم باقية كما هي، بينما عامة الناس تطحنهم رحى الحياة أينما اتجهوا، ولم يجدوا مسؤولاً واحداً يشاركهم في مكاره الدهر.
إن مَن يريد أن يغير ويتغير فعلاً عليه أن يعرف مكامن الخلل الذي يعاني منه الواقع كله، ويمتلك الجرأة على الاعتراف بمواطن الفشل التي رافقت مسيرته العملية، وجوانب القصور لديه التي أدت لحدوث ذلك الفشل، إلى جانب امتلاك الجدية في التخلص من كل الأمراض التي حلت بساحته، وتجاوز كل العقبات والعراقيل التي صنعها تواكله وتحركه البطيء والعاجز في سالف أيامه، ولن يقوى على فعل ذلك إلا الذي ينطلق في ركاب الأنبياء، ويعي أن الحياة بكلها ما هي إلا ساحة جهاد وتحمل للمسؤولية، سواءً مع نفسه أو من خلال حركته وتعامله مع الناس والواقع من حوله.
* نقلا عن : لا ميديا