نرتاح كثيراً، كلما سمعنا بوجود توجه يسعى لتعميم الثقافة القرآنية على كل مجال من مجالات الواقع، ونبارك دوماً كل جهدٍ يبذل بخصوص ذلك، سواءً كان جهداً فردياً، ناشئاً عن الإحساس بالمسؤولية، التي يقتضيها مقام الاستجابة لله، في الدعوة إلى الخير، أو كان جهداً منظماً، في إطار عمل هذه المؤسسة، أو تلك الجهة أو الهيئة، لأننا كمنتمين للإسلام الأصيل نطمح ونتطلع إلى اليوم الذي تسود فيه رؤى وقيم ومبادئ هذا الدين الواقع كله، وما جهاد وتضحية وصبر وتفاني وعطاء وإخلاص وثبات المؤمنين المجاهدين الصادقين الواعين المستبصرين العظماء اليوم وقبل اليوم، وفي كل زمان ومكان إلا في سبيل الوصول لذلك، كهدف من أهداف الرسالة التي يحملونها، وكقضية أساسية في كل ما يقدمون عليه من أعمال، أو يتبنونه من مواقف، أو يطلقونه من برامج وخطط وأفكار، أو يحصلونه من علوم ومعارف. فلا أحد على الإطلاق من المؤمنين، يكره أن يستظل بظل القرآن، ويتحرك على هداه، ويستمسك به كحبل من الله، وينقاد له في الواقع العملي، من خلال اتباعه وتوليه لقرنائه، ويرتضيهم قادةً وقدوة ومربين له ولمجتمعه وأمته، ويبذل دونهم نفسه وماله وولده. كيف لا وهم الأمان من الضلال، والركن الشديد الذي يأوي إليه كل مَن يتولى الله ورسوله والمؤمنين؟
وفي المقابل فإننا نأسى ونحزن ونتألم دونما حد عندما يوكل هذا الأمر لغير أهله، ويتصدر ساحات وميادين إيصاله إلى الناس، بغية تحريك مضامينه في واقع الحياة أشخاصٌ ليسوا جديرين بحمله، ولا يليق بهم شرف القيام بمهامه ومسؤولياته، كسفراء له عند سواهم، وممثلين لثقافته عند كل مَن يسمعهم أو يراهم، إذ إن منهم مَن فهم من القرآن وثقافته شيئاً، وغفل عن أشياء كثيرة، ثم يأتي إلى الناس ليقول: بأنه قد أحاط بكل دقائقهما وأسرارهما وجميع خصائصهما علماً، فيهدم أكثر من أن يبني، وينفر من حيث أراد التبشير، ويرهب من حيث أراد أن يرغب، ويشوه ويزيف ويشوش المفاهيم والأفكار في المقام الذي كان المطلوب منه حياله أن يصحح النظرة، ويزيل اللبس، ويكشف الغموض، ويبدد ظلمات الباطل، ويدحض حجج ودعاوى الفساد، ويجفف منابع الثقافات المغلوطة، ونحن نعرف أن من أساسيات العمل التبليغي في نهجنا القرآني: الحرص على تقديم الثقافة القرآنية للآخرين بمفهومها الشامل، وآفاقها الواسعة الممتدة، ومضامينها الحية القادرة على تحريك الجماد، وتصحيح الانحراف، ودفع الجميع للعمل والبناء، بما يضمن لهم بقاء كرامتهم، وعزتهم، ويحقق لهم التفوق المادي والمعنوي في الساحة العالمية، ويجعلهم في الصدارة في جانب امتلاك القوة على كل صعيد، وإن أي إخلال بأي جانب من جوانب تقديمها للناس: سيؤدي إلى تزايد الأخطاء، وكثرة السقطات، مع ترك فراغات في الوعي والفكر والأسلوب لدى العاملين وقاعدتهم، الأمر الذي يصل بهم في بعض المراحل إلى الضعف، أو التراجع، أو الميل عن المشروع ومفارقته بالكلية، فليس هناك تدرج في التثقيف، وترسيخ المفاهيم والأسس، ولكن هناك تدرجا في حمل المنتمين لها، وتربية أنفسهم على التزامها.
وهناك مَن يريد تسخير عنوان الثقافة القرآنية لصالحه، وذلك أن يجعلها عنوانا لاجتذاب الناس إليه، ومدخلاً لتحقيق الربح المادي، والنجاح لمشروعه الخاص، فيقال مثلاً: فلان طبيب مختص في العلاج القرآني، وفلان باحث في المجال الصحي على ضوء ثقافة القرآن الكريم، ولا هذا مختص، ولا ذاك باحث، وإنما استطاعا أن يستغلا الظرف والمناخ، في سبيل مشاريعهما، ويكسبا تأييد ومباركة الثورة ومؤسساتها وجمهورها، وإلا أين هي دراسات ذاك الباحث؟ وما هي منجزات الطبيب المختص ذاك؟ هل يكفي لنقول عن شخص: باحث، أو مختص لمجرد أنه قدم محاضرة أو حتى 20 في الجانب الصحي؟
ثم متى كان القرآن يتنكر للعلم والتطور والتقدم في أي مجال، حتى يأتي هؤلاء ليقولوا: إن الطب الحقيقي هو ما كان قائما على النباتات والعسل، وما عداه فهو الطب اليهودي الذي يجب محاربته، والتخلص من نتاجه؟
وفي الختام، فنحن لا نلوم هؤلاء، ولا نكره لهم الخير، وإنما نلوم القنوات والمؤسسات التي ترى فيهم غاية ما ترجوه الثقافة القرآنية، ومنتهى ما تسعى لتحقيقه مسيرتنا وثورتنا المتحركتان على هداه، والسائرتان في درب قرنائه الأطهار، فالله المستعان على ما يصف طالبو الشهرة، والمحتفون بالخيالات والأوهام كعلم ومعرفة، والقاصرون فكراً ونشاطاً عن القرآن وسعته وشموليته وعطائه الجم.
* نقلا عن : لا ميديا