كتب مؤخرا أحد الأساتذة الكرام عن تلك القلوب الصخرية التي تتعامل مع من يعملون تحت إدارتها بدونية واستهتار وتجاهل، وذلك حينما يأتي الناس إليهم، ويقولون لهم إن الموظف الفلاني الذي يعمل عندكم مريض فإن أولئك المسؤولين أو المشرفين سيكتفون بالدعاء لذلك الموظف قائلين: شفاه الله وعافاه.. وكذلك الحال عندما يذهب إليهم أي شخص ليشرح لهم وضعية وحالة أيٍ من الموظفين المعيشية الذين لن يجدوا عند جنابهم إلا التعاطف المصحوب باللامبالاة، والذي يظل بعيداً تماما عن دفع صاحبه إلى القيام بأي عمل من الأعمال التي قد تخفف عن هؤلاء أحمالهم أو تفك قيودهم والأغلال التي كبحت جماحهم وقتلت عزائمهم وإرادتهم، لكن الحال طبعاً مختلف تماما حينما يأتي إلى هؤلاء المسؤولين أصحاب العيون الحمراء، ذوي السلطة والجاه والمكانة والنفوذ، فهم في كل الأوقات مجابو الدعوة ومحاطون بالدلال والطاعة، وأيا كانت طلباتهم فإنها ستصبح واقعاً لا مكان فيه للمستحيل.
وهكذا يستخلص هذا الأستاذ العزيز أن مثل هذه التصرفات من شأنها أن تدفع الناس الذين لا حول لهم ولا قوة إلى اتخاذ الشحاذة مهنة وصنعة، وليته يدري أن عالي الجناب لم يعودوا يكتفون بما عرفه من تصرفات وسلوكيات تجاه الموظف البسيط كأن يدعون له بالشفاء أو العون، بل لقد صاروا هم الذين يصنعون واقعه المؤلم، ويدفعونه دفعا إلى حياة البؤس والشقاء والضياع وانعدام الوزن، فقط لأنه اختلف معهم يوما ما في وجهة نظر معينة أو قال كلمة لم تعجبهم في وقت من الأوقات أو تناول قضية من القضايا من الزاوية التي يراها هو ولم يتقيد بما رسموه له من ضوابط ومحددات بقصد خدمة الحقيقة وتعزيز الوعي، لكن ذلك خط أحمر بالنسبة لأولئك، وعندها سيبذلون قصارى جهدهم في اتخاذ كل ما يلزم من أجل جره تدريجياً إلى الموت والعدم، وخطوة خطوة بدءا من المضايقات وصولا إلى اتخاذ قرار بالإيقاف عن العمل، وأخيراً الفصل النهائي وشن حملة تشويه لا تقف عند حد ضد ذلك المجرد من كل عوامل القوة والنفوذ والفاقد لكل الإمكانات التي تعينه على الدفاع عن نفسه، وبالتالي فهؤلاء لا يشجعون على الشحاذة، بل يمارسون الاستعباد، فمادمت سامعا مطيعا ومسلما عقلك وإرادتك لهم فأنت المبدع والمتميز ولن ينقصك شيء، وإذا ما بدأت باتخاذ شيء من التفكير ومارست شيئا من الوعي وحاولت التعبير عن فهم للنهج الذي تحمل فإنك ستصبح من وجهة نظر هؤلاء أشد خطراً من أمريكا و»إسرائيل».
والأمثلة كثيرة ولا حصر لها في كل واقعنا، ومن يريد أن يتثبت من حقيقة ذلك فما عليه إلا أن يتأمل في ما ومن حوله، إذ سيجد أن معظم التافهين والحمقى والأغبياء والبلداء ما إن يشعروا بنزلة برد أو ألم في اللوزتين فسيجدون على الفور من يعمل على نقلهم إلى الخارج، بينما نجد أن أولئك الأحرار النابهين المستنيرين المخلصين لدينهم وأمتهم ووطنهم لا يلتفت إليهم أحد وإن أصيبوا بأقسى وأفتك الأمراض فليس أمامهم سوى البقاء على فراش الموت في انتظار بلوغ الأجل.
* نقلا عن : لا ميديا