نقرأ هذه الأيام في وجوه جيل النشء، المتواجد في المراكز الصيفية، العوامل التي تبعث على الاطمئنان في نفوسنا تجاه المستقبل، من حيث الثقافة التي ستقود إليه، والذوات التي ستأخذ على عاتقها مسؤولية صنعه، على أساس عقائدي راسخ ومتين في أعماق الروح، يجعلها تتعامل مع الواقع بكل نواحيه وتفريعاته بوعي وجدية، إلى أن تتمكن من التحرر من سجونه المختلفة، وتحرر كذلك مجتمعها منها أيضاً، فمادام القرآن هو الزاد الروحي والفكري والأخلاقي لذلك الجيل، فلا شك أنه سيخلق في نفسه السمو الدائم فوق كل منقصة وتسافل وانحلال وتحلل، ويبذر في كيانه بذرة التمرد والعصيان في وجه كل ما هو جامد ورتيب وممل وقديم وبال وخرافي وتجهيلي وتبريري وتخديري مقيت، ويفتح بوابة الكون المترامي الأطراف أمام الفكر، لينطلق في بحث واكتشاف الآيات في الأنفس والآفاق، كوسيلة لا بد منها لكي يتسنى له الوصول إلى معرفة الحق المطلق، الذي بمعرفته سيحصل على الآلية التي بموجبها سيقوم بتفعيل كل ما فهمه ووعاه من قوانين ونظم وعناصر ومكونات هذا الوجود، ويعمل على الاستفادة منها بالشكل الذي يعينه على الخروج من سجن الطبيعة، وجبر التاريخ، وعادات وتقاليد وأحكام وأفكار وانطباعات وتفسيرات ونظرة المجتمع الجاهزة، التي توارثها كابراً عن كابر، ليجد كلٌ منا نفسه مجبرا على التسليم لها، والسير الذي يتحرى الالتزام بكل قواعدها وقيودها، حتى وإن لم نعرف الغاية من وراء ذلك.
إن جيلاً بدأ منذ نعومة أظفاره حركته في الحياة مع القرآن، وبه، ومنه، لهو جيلٌ استثنائيٌ بكل المقاييس، جيلٌ لن يكون فيه وجه شبه لأي جيلٍ سبقه، ولن يكون نسخة مكرورة لجيل الحاضر، ولا عصا يتوكأ عليها العاجزون والهرمون الجامدون المتهالكون حالياً، كما لن يكون حارساً في بلاط المصرين على البقاء عند نقطة معينة، ويكرسون جهودهم للحفاظ على استمرارية وضعية ما، ولا يسمحون لأحد بكسر قيودها وأغلالها على الإطلاق، وإنما سيكون هو نفسه لا غير، بمعنى أنه: سيكون حراً مريداً مختاراً، وبما أن الحرية والإرادة والاختيار سماتٌ أساسية في أصل ذاته، فإنه سيكون جيلاً واعياً مبدعاً خلاقاً، مؤهلاً لتحمل المسؤولية الكاملة تجاه الكون والحياة والإنسان، قادراً على بلورة مفهوم الخلافة عن الله له في هذه الأرض بشكل خطوات واقعية، وأعمال ظاهرة، ومنجزات محسوسة ومدركة للعيان.
صحيحٌ أن جيل النشء القرآني هذا يخضع اليوم لشكل التعليم القائم على التلقين من قبل جيل الحاضر، الذي يقدم له فكرا جاهزا، قد يصنعه كما يراد له، لا كما يريد هو لنفسه، لكن هذا لن يكون، لأن البداية كانت مقترنة بنور الوحي، وذاك ما سيتمكن من إشعال نار الفطرة في الأعماق، والتي ستقضي على التراكمات والزوائد، وتزيل كل الأشياء الدخيلة، مهيئة لهذا الجيل الترقي الذي لا حد لصعوده، لكونه ينطلق ليبدأ، لا لينتهي، وهنا العمق الذي يجلي لنا حقيقة ماهيته، إذ ليس لنظرته ولا لتطلعاته ولا لفكره نقطة انتهاء، باعتباره يتطلع ويفكر ويعمل على أساس ارتباطه بالما وراء، وهذه هي الثمرة التي تنتج عن الثقافة القرآنية، وأي ثمرةٍ تلك، من حيث المحتوى والقيمة والهدف والغاية والنتيجة مادياً ومعنوياً!
* نقلا عن : لا ميديا