يبدو معظم الكتاب والمفكرين والباحثين والأدباء والإعلاميين، وحتى العلماء والخطباء، المحسوبين على يمن الحادي والعشرين من أيلول، هذه الفترة، مصابين بالجفاف الفكري، ويعانون الجدب الإبداعي، والعجز المعرفي للواقع، يظهرون على الشاشات والمنابر والراديو وشبكات التواصل والندوات والمنتديات والورش والدورات، بقصد القرب من الناس، والعمل على توعيتهم وتربيتهم وتثقيفهم وتهذيبهم وتبصيرهم، ولكنهم وإنْ بدا للعين المجردة مدى قربهم من الناس، ومستوى تفاعلهم وحضورهم في كل الساحات والمناسبات والظروف والأحداث، يظلون بعين القلب هم الأكثر بعداً عن الحياة والأحياء، والأشد غياباً حتى من المدفونين تحت الثرى، فلا هم الذين صمتوا، فخفت ضجيجهم، والتفت الناس لأنفسهم، وأصلحوا حال واقعهم، ولا هم الذين عاشوا المسؤولية كما يجب، وانطلقوا من واقع ثوري، وبالحس المجتمعي المدرك لعظيم النهج، وسلامة المسلك، وفضل القيادة، ممثلة بعلم الهدى، سيد ثورتنا «أبو جبريل» أيده الله، ولا هم الذين يقدرون التضحيات على امتداد سنوات الصبر والصمود، ويحملون الأمانة بصدق، فيترجمون أغنى وأخصب مرحلة عاشها اليمنيون عملاً وحيوية وعطاء، ويجسدون كل ما تضمنه النهج واختطته دماء الشهداء من مفاهيم ومبادئ وأسس شاملة لكل شيء في برامج ومشاريع وخطط تبني النفوس، التي متى ما تم لها البناء ضمنا بناء الوطن بكل ما للكلمة من معنى، وذلك عائدٌ لسبب وحيد هو: أن هؤلاء الأغلبية الذين حجبوا أضواء النجوم والأقمار الثورية الحقيقية، كانوا مجرد أدعياء، وليسوا بشيء، ولا يحملون أدنى صفة لكي يقال عنهم: باحثون أو مفكرون أو مثقفون أو أدباء أو إعلاميون! لماذا؟
لأن الحقيقة المركزية لمَن يحمل هذه التسميات مثبتةٌ بنشاط رجال صادقين، وإنْ كانوا قلّة، وهي تقول: إنك متى ما وهبت نفسك لحمل أمانة الكلمة، وجندت ذاتك كرسول للحق في عالم الفكر، فإنك ملزمٌ بتسخير جميع قدراتك وإمكانياتك وجميع قواك في سبيل ما تدعو إليه، إلى الحد الذي يجعل الجميع يرون مفاهيم ومبادئ وقيم وأفكار ما لديك من مشروع مجسداً بمواقفك وأفعالك قبل لسانك، ومثبتاً في حركتك الرسالية في كل ميادين حياتك، ومهما تغيرت الظروف وتنوعت الأحداث وتبدلت المواقع وتعاقبت السلطات تبقى مع الناس، وتعمل من أجلهم، ولا تهتز مهما بدا لك الخطر، وانتابك الخوف من البطش والضرر، فمهمتك ليست التصالح مع ما هو موجود، بل السعي لإصلاحه، وليست الحفاظ على ما تم فحسب، بل هي كذلك الدفع نحو ما يجب أن يتم، فأنت هنا لتحرك، وتوقظ، وتهز، وتزيح، وتربك كل ما هو باطل وجامد وشر وفساد كل ذلك تقوم بمواجهته علناً، وأنت كذلك رجلٌ لا تشتريه حكومة، ولا تسترقه شركة، كونك عصيا على الاحتواء أو التطويع، كيف لا وأنت تمثل مجتمعك، ولسانك هو لسانهم، المذكر بكل ما بات قيد النسيان، فلا يمكنك القبول بطمس القضايا، المصيرية، أو كنسها تحت البساط!
إنك تعيش كحارس للحق والحقيقة، وكحام للمبادئ العامة، ولا تقبل الانسحاب من ساحة البحث عن كل ما يمكن من خلاله خلق واقع أفضل للناس، يحفظ كرامتهم، ويصون دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وينتزع حقوقهم، وكما تقف ضد المستكبر العالمي، تقف ضد المستكبر المحلي، فعدوك هو: مَن يستهدف هذه المبادئ والقيم، بقصد ودون قصد، وغايتك هي: الشهادة بالحق، والقتال ببسالة ضد أعدائه الكبار والصغار.
* نقلا عن : لا ميديا