مع بدايات الحرب السعودية الإماراتية على بلادنا وقفت تركيا موقفاً ملتبساً فلا هي أدانت العدوان على بلادنا ولا هي أظهرت حماسها تجاه الانخراط في التحالف لأسباب كثيرة أهمها أن كلا الطرفين هو عدوٌّ فعليٌّ للطرف الآخر في الترتيبات الإقليمية والايدلوجية ..
ولأن الرياض وأبوظبي هما عدوُّ رئيسي للتكتل الاخواني الذي يضم تركيا وقطر فقد تبلور موقف أنقرة المناهض للحرب العدوانية على بلادنا والمتباكي على جرائم الحرب المرتكبة فيها بعد طرد قطر من تحالف العدوان في العام..
حددت أنقرة خانات المربع الذي يجب ان تقف فيه على صعيد الموقف من الحرب السعودية الإماراتية علينا وخرج كبار المسئولين الأتراك ليذرفوا دموع التماسيح على اليمن واليمنيين على الرغم من اننا لم نسمع لهم صوتاً ولم نستشعر ضميرهم الإنساني منذ أن بدأ العدوان وحتى لحظة الطلاق الخليجي الخليجي الذي عرف لاحقاً بالمقاطعة.
اللافت خلال هذه الفترة التي أعقبت المصالحة الخليجية بعد (أعوامٍ من المقاطعة والحصار المفروض على قطر) أن النظام الاردوجاني الحاكم في تركيا سرعان ما انتقل من مربع العداء الصريح مع الرياض وأبوظبي الى مربع الغزل المشبوه الممزوج بنكهة الاستعداد للانخراط في جرائم تحالف العدوان في بلادنا بصورةٍ أو بأخرى.
تبخرت دموع التماسيح التي ذرفها أردوجان ورموز حكمه بشأن جرائم الحرب المرتكبة في بلادنا وبدأت أنقره في مغازلة الرياض لعقد صفقات أسلحة متنوعةٍ معها على الرغم أن جرائم تحالف العدوان لم تتوقف في بلادنا بل وازدادت شراسةً..
بدأ الغزل المحرم بين أنقرة والرياض حينما عرضت أنقرة على السعوديين تزويدهم بطائرات تركية مسيرة من نوع “بيرقدار” التي يصفها الأتراك بأنها نوعٌ متطورٌ جداً من طائرات الدرونز ذات الإمكانات القتالية غير المحدودة..
بناءً على رصد هذا النوع من الطائرات المسيرة في أكثر من منطقة يمنية في جنوب اليمن فإن السعوديين والأتراك قد مضوا في هذه الصفقة ولو بصورةٍ سرية..
لم يكتفي الأتراك بتصوير طائراتهم المسيرة من نوع بيرقدار بأنها قادرةٌ على وضع حدٍّ لهجمات الطيران اليمني المسير الذي يستهدف المملكة بصورةٍ شبه يومية لكن أنقرة تغازل الرياض بعرض منظوماتٍ دفاعية تركية مطوّرة أبدت استعدادها للمضي قدماً في تسريع عملية تسليمها للمملكة..
تظهر خيوط اللعبة الإقليمية المعقدة أن هذه المغازلة التركية للسعوديين ليست نتيجة للمصالحة الخليجية فقط وإنما تأتي في سياق السباق مع الجارة اليونان التي سبقت أنقرة في ابرام صفقة الباتريوت اليوناني الأمر الذي حرك لدى الأتراك المخاوف من محاصرة نفوذها وتحالفاتها الإقليمية بين فكي العدو الجار اليوناني والعدو الإقليمي والايدلوجي المتمثل بالسعودية والإمارات ومصر وكل من يدور في فلكها..
لم يجف بعد حبر انتقاد الأتراك للعدوان على بلادنا ووصفهم للسعوديين والإماراتيين بأنهم مجرمي حرب لكن أنقرة اليوم تعرض على السعوديين وبصورة ملحة منظومات دفاع صاروخي تركي طورتها تركيا ولم تدخل سوق بيع الأسلحة الإقليمية بعد..
هل يتفق أن تصف أنقرة الحرب السعودية على اليمن بأنها أكبر جريمة في التاريخ الحديث بحق شعبٍ مظلومٍ بغى عليه اشقاءه وجيرانه وعلى صعيد مقابل تقوم تركيا بامداد أمراء الحرب السعوديين بصفقات أسلحة لقتل اليمنيين..
على هذا الصعيد قال موقع الخليج الجديد أن كبرى شركات صناعة الأسلحة التركية عرضت على الرياض الاستفادة من قدرات أنظمتها الدفاعية التي قالت بصريح العبارة أنها قادرة على صد الطائرات المسيرة التي تهاجم السعودية من اليمن..
ووفقاً لعضو في مجلس إدارة شركة “ترانس فارو” التركية فإن ما اسماه بمنظومة “فدائي” هي سلاحٌ صائدٌ ومحترفٌ للطائرات المسيرة وقادرٌ على حماية السعودية بشكلٍ كامل من الطيران اليمني المسير..
ووفقاً لخبراء عسكريين اتراك فإن منظومة فدائي جرى تطويرها لتكون وسيلة دفاعية فعالة في وقف الهجمات التي وصفوها بـ”الكامي كازية” للطائرات المسيرة اليمنية..
تباهت الشركة التركية بأن هذه المنظومة الدفاعية التركية لو كانت موجودةً في المملكة لما حصلت الهجمات المنسقة في العملية الكبرى التي استهدفت منشآت أرامكو في خريص وابقيق..
لا يكتفي الأتراك بالتنصل من انسانيتهم التي دفعتهم للتباكي على جرائم الحرب المرتكبة في بلادنا من قبل السعوديين والإماراتيين لكنهم اليوم يغازلون السعوديين الذين وصفوهم بالأمس بأنهم مجرمي حرب ويتطوعون لعرض صفقات أسلحة متنوعة يوهمون السعوديين بأنها ستكون عوناً لهم علينا..
محاولة النظام التركي اللعب على كل الأوتار بما فيها الانخراط في الشراكة في العدوان على بلادنا مهما كان هذا الانخراط لا أخلاقيٍ ولا إنسانيٍ أمرٌ يعكس عقلية النظام الأردوجاني الذي لا يمتلك أي ثوابت حقيقةٍ غير ثوابته الايديلوجية والمصلحية.
* نقلا عن : السياسية