كثيراً ما ينتاب حملة الأقلام الشعور بالخيبة، والإحساس بالفشل في حياتهم العملية، ومهامهم الرسالية التنويرية والتعبوية والتوعوية والتثقيفية، إذ إن قيمة ما يقدمه الأديب اليوم أو الكاتب أو الإعلامي لا تقاس بمدى قدرتها على الإلمام بكل تفاصيل الواقع ومفرداته، ولا بما تمتلك تلك المواد من مقومات حقيقية لإحداث تغيير شامل على كل المستويات، ولا بجدية صاحبها ومصداقيته، وإخلاصه لربه وأمته، وإيمانه بقضاياه، وإصراره على دفع الناس من حوله إلى تبني الحق كعقيدة وموقف في كل جانب من جوانب الحياة المختلفة، وإنما تقاس بمدى قرب الكاتب أو الأديب أو الإعلامي من الشخصيات السياسية ذات الوجاهة والنفوذ الاجتماعي، والسعة المالية، والسلطة الأمنية التي بها مجتمعةً تستطيع أنْ تجعل الخمرَ خلاً، والماءَ الآسِن عسلاً مصفى، ولكم رأينا وسمعنا وعايشنا أشباه أدباء وكتاب ومثقفين وإعلاميين حازوا السبق في مختلف الميادين، ونالوا الصدارة على كل صعيد، وقُدموا للقارئ والسامع والمشاهد على أنهم نوابغ التاريخ، ومعاجز الزمان، وفلتة العصر، على الرغم من ضحالة وسطحية أفكارهم، وكثرة شططهم وهفواتهم وسقطاتهم، وشدة تناقضاتهم وتقلباتهم وتبدلاتهم وتحولاتهم بين فترةٍ وأخرى، فهم لا يعيشون لقضية، ولا يتبنون عقيدة وموقفا محددين، ولا يلتزمون بمبدأٍ بعينه، ربهم المال، ودينهم الشرك، ومذهبهم النفاق بشتى صنوفه وأشكاله، وبرغم كل ما يعتريهم من كل هذه النقائص والمساوئ يبقون هم الأكثر تمكناً من سواهم في السيطرة على جميع الوسائط والأدوات والقنوات والمنابر التي تتيح لهم الوصول إلى أكبر قدرٍ ممكنٍ من الناس، وبالتالي استطاعوا التأثير عليهم، وتوجيههم الاتجاه الذي يريدون هم ويختارون مسبقاً، دون أن يتركوا أي فرصة لهؤلاء الناس كي يفكروا ويختاروا بوعي، وعن قناعة.
لذلك لا تستغربوا حينما تجدون القطاع الثقافي والإعلامي مستنفراً إلى أقصى درجة، في الترويج لكتاب فلان الذي معظمه مسروق من كتب ومؤلفات أخرى، وعالة عليها، أو ديوان علان المليء بالأخطاء اللغوية والكوارث الإملائية، وفي المقابل لا ينبس هذا القطاع البالي المهترئ مع احترامي للمثقفين والإعلاميين الحقيقيين وهم قلة ببنت شفة ولا يحركون ساكناً حينما تخرج إلى النور كتب ومؤلفات ومجموعات شعرية لكتاب ومؤلفين ومفكرين وأدباء وشعراء حقيقيين، مرت وتمر نتاجاتهم ذات القيمة العليا فكرياً وأدبياً مرور الكرام، لا تكاد تلقي لها الجهات المعنية بالاً. أجل لا تستغربوا، فالسببُ الذي يقف وراء كل ذلك بات معروفاً سلفاً، وليس بحاجة للكثير من الشرح والتوضيح، ولكن لا بأس من بعض البوح المفعم بالمرارة والوجع من فرط الألم، فالبقاء اليوم في ساحة الفكر والأدب للأغبى والأجهل والأكذب والأردى، والأكثر دجلاً وتلوناً وتقلباً ونفاقاً، أما الأحرار فهم مَن يميتهم أبناء جيلهم وزمانهم، ليستفتحوا مع كل جيل في المستقبل حياةً جديدة.
* نقلا عن : لا ميديا