«لسنا شيئاً إلا بالله، هو الذي هدى، ونصر وأيد، وألهم، وأعان، وثبت الأقدام»، كلماتٌ لطالما وردت على لسان سيد الثورة أبو جبريل يحفظه الله، بعد كل تقدم أو إنجاز أو نصر، لأنه -أيده الله- يخشى علينا نسيان الله، والتفلت من حبله سبحانه، والانصراف عن هداه، والركون إلى ما بأيدينا من قوة، والاغترار بما تم لنا على أرض الواقع من مكاسب مادية ومعنوية على كل الصُعُد، وفي جميع المجالات. ولقد تضمن القرآن الكريم الكثير من القصص والحقائق التاريخية عن مؤمنين رساليين انطلقوا في بداية أمرهم من واقع الثقة بالله، والاعتماد عليه، والافتقار إليه في كل شيء، فلما تحققت لهم الغلبة على عدو الله وعدوهم، وصارت مقاليد القوة الاجتماعية والسياسية والمالية والعسكرية والفكرية بمتناولهم؛ تملكت قلوبهم وعقولهم، واستحوذت على عيونهم وأسماعهم، وحكمت جميع سلوكياتهم وتصرفاتهم، وغيرت أهدافهم وأخلاقهم؛ لأنها حلت في ذواتهم وواقعهم كبديل عن قيوم السماوات والأرض جل في علاه، فطغى عليهم الإحساس الممتلئ باستعظام أنفسهم، واستحوذت على ذواتهم مشاعر الاستغناء عن ربهم، بل باتوا يرون أنفسهم في مقام الند له تبارك اسمه، والعياذ بالله! فهم مصدر القوة ومالكها، ولديهم الجمهور العريض والطويل الذي سيعينهم على تحقيق كل ما يتطلعون لتحقيقه، وهكذا انصرفوا في غمرة الانغماس بالماديات عن ملك الملوك، الذي يجب الاتكال عليه، والخضوع والانقياد والتسليم له دوماً.

إن الاغترار بالعدد والعدة، والانجذاب إلى كل ما يزيدنا استعظاماً لأنفسنا من مديحٍ وثناء والنفور من كل ما يبين معايبنا، ويكشف أخطاءنا، ويوضح جوانب الخلل والضعف والعجز والقصور في مجالات تحركنا العملية كلها، وطغيان الشعور والإحساس بعلو مقامنا، وعظيم شأننا، ومدى تفوقنا على كل من حولنا موقفاً ودوراً، إلى الحد الذي يرسخ في أنفسنا القناعة المطلقة بأننا قد بلغنا ذروة الكمال، وبالتالي فلم نعد بحاجة للاستفادة من تجارب ومعارف الآخرين، إذ هم الذين يجب عليهم الاستفادة من تجربتنا ومعارفنا، باعتبارهم محتاجين إليها، أما نحن فلا نحتاج إلى أحد؛ أمورٌ في غاية الخطورة! لأنها ستفت علاقتنا بالله، ومتى ما تخلى الله عنا؛ وقع السقوط المدوي والفشل الذريع.

إن سقوط وفشل الرساليين عبر التاريخ؛ لم يكن نتيجة افتقارهم إلى الماديات، وإنما نتيجة الركون إلى القوة إلى الحد الذي أفرغ جميع تحركاتهم وأعمالهم من البعد القيمي والفكري، الأمر الذي حولهم في ما بعد إلى جماعات وحركات وأحزاب وحكومات تتحرك في الفراغ، وكل ما تقوم به من أعمال، وتتبناه من مواقف فهي مبنية على ضوء أهداف وغايات سلطوية مصلحية توازنية لا أقل ولا أكثر.