النظر إلى واقعنا الفكري والاجتماعي والسياسي وغيره.. بعين الإنصاف يصل بنا إلى صلب الحقيقة التي تقول: إننا أمام فئتين من العاملين في كل ميادين العمل، كلٌ منهما تسير في الاتجاه الذي يجعلها على النقيض من الأخرى، فهناك الفئة التي تلتزم الشعارات والمواقف والقضايا التي تطلقها الثورة وتتبناها، ولكنه التزام شكلي منحصرٌ على الجانب الظاهري للفرد أو المجموعة بما يجعلهم جزءاً من الواقع العام ليس إلا، وهؤلاء لا علاقة لهم بالقناعة الفكرية ولا صلة لهم بإيمان أو عقيدة، فكل ما لديهم هو عبارة عن مجموعة من العادات التي اعتادوها، إلى جانب مجموعة أخرى من الممارسات التي ألفوها، وهذه العادات والممارسات بالنسبة لهؤلاء قابلةٌ للحذف والزيادة والإبدال والإحلال بما تتطلبه المصلحة الشخصية لدى هذه الفئة وتقتضيه الظروف والمتغيرات على الساحة بشكلٍ عام، إذ قد ينقلبون فجأةً على كل ما كانوا عليه، لأنهم لا يخضعون لوازع من دين أو رادعٍ من ضمير، كل ما لديهم هو عبارة عن عادات وتقاليد اجتماعية فرضتها المرحلة عليهم، ولذلك تجدهم كلما أمِنوا من الرقابة الاجتماعية عادوا إلى طبيعتهم الانتهازية، وعبروا عن نوازعهم الداخلية المبينة لحقيقة أفكارهم الشريرة وطبيعة نفسياتهم المريضة.
وهناك الفئة الأمينة على دينها وقضايا مجتمعها وأمتها، وهذه الفئة على الرغم من اشتراكها مع الفئة السابقة في التزام القضايا والشعارات التي تطلقها الثورة وتتبناها بما تتطلبه مراحل العمل الثوري والتغييري وتفرضه التحديات التي تواجهها، إلا أنها لم تقف عند ما يضمن لها سلامة المظهر دون الجوهر، بل انطلقت بدافع من ضميرها ووازعها الديني، وبقناعة فكرية جعلتها بالمستوى الذي يمكنها من التعبير عن مفاهيمها الإيمانية والعقائدية في سلوكياتها وممارساتها، وهي لا ترتبط بالأشياء ارتباطاً فرضته العادات والتقاليد، وأوجبه العرف الاجتماعي، بل ترتبط بها من خلال ارتباط الفروع بالأصول تماماً كارتباط ساق الشجرة وأغصانها بجذورها الضاربة في أعماق الأرض، لذلك لا مجال لدى هذه الفئة للحذف والزيادة أو التبديل أو التغيير، تبعاً لاختلاف المراحل وتغير الظروف أبداً، ولا مكان لديها للتراجع أو الضعف أو الاهتزاز أو الانقلاب على الثوابت، لأن القضية بالنسبة لهؤلاء قضية قناعة صنعتها عقيدةٌ وأوجبها دين وعبادة، وليست قضية عادة اجتماعية فرضها عرف مجتمعي وغذتها العصبية الجاهلية.
* نقلا عن : لا ميديا