زماننا الذي نعيشه مواجهةً لكل قوى الهيمنة والاستكبار، وانطلاقةً صوب البناء والتنمية، يوجب علينا عدم الفصل بين مرحلةٍ ومرحلة من عمر التحرك الثوري والجهادي، وعدم الفصل بين المسارات والتحركات المختلفة، لأن المراحل التي قطعناها والمسارات التي اتخذناها لأجل المواجهة على كل المستويات، هي متداخلةٌ في ما بينها، يسند بعضها بعضاً، ويتكامل كل شقٍ منها مع الشق الآخر، لذلك ما أسوأ حال أولئك الذين يفلسفون الفشل هنا أو هناك للناس، ويبررون للفاسدين والعاجزين والمتخاذلين ما هم فيه من فساد وعجز وتخاذل وضعف، بحجة أن المرحلة هي مرحلة مواجهة عسكرية لقوى العدوان لا أكثر ولا أقل، متناسين أن سيد الثورة (حفظه الله)، قد أكد في الكثير والكثير من كلماته وخطاباته أن المواجهة العسكرية لقوى العدوان هي أولوية وليست العمل الوحيد الذي يتوقف عليه تحركنا، فهناك مهام وواجبات وأعمال ليست أقل شأناً من الجانب العسكري والأمني، لأن الاهتمام بها والحرص على القيام بكل ما يلزم لإخراجها إلى النور على أكمل وجه هو في حقيقة الأمر الترجمة الطبيعية والواقعية لكل ما يجترحه رجال الرجال من معجزات ويحققونه من انتصارات، بالإضافة إلى أن مدى وعينا وإدراكنا لكل ما يقدمه أولئك الصادقون من تضحيات ويبذلونه من دماء على مذبح الحرية والكرامة يجب أن ينعكس على حركتنا ونشاطنا في كل ما نقوم به من أعمال في مختلف ميادين المسؤولية، هذا إذا كنا صادقين مع الله ومع القيادة ومع الشعب، أما إذا لم يكن الأمر كذلك فعلى الدنيا السلام.
وقد صدق أحد الإخوة المخلصين، المشهود له بالثبات والنزاهة والصدق، إذ يقول: «إن السكوت عن الفساد والفاسدين والسعي لتبرير الفشل في أي مجال من المجالات، والتوقف على ما يجب القيام به من إصلاحات يتطلبها الواقع السياسي والاجتماعي والعلمي والاقتصادي والثقافي، هو جرم كبير تصل درجته في الإثم ما يجعل مرتكبه مستحقاً للعقوبة الإلهية التي أوجبها الله سبحانه، للذين يولون الدبر يوم الزحف».
هذا القول يتطابق تماماً مع ما قاله سيد الثورة أبو جبريل (رعاه الله)، ذات مرة، إذ يقول: «إننا في مواجهة شاملة مع الأعداء، الأمر الذي يحتم علينا أن نتحرك بروحية المقاتلين في كل ميادين العمل، لأن كل ساحة نتحرك فيها ونعمل من خلالها هي ساحة مواجهة مفتوحة مع الأعداء عاقبة التقصير فيها وخيمة في الدنيا والآخرة».
من هنا لزم التنبيه لكل أولئك الذين يتطيرون بكل مَن يكشف عيباً هنا أو يبين خللاً هناك، أو يقوم بتقديم نصح لهذه المؤسسة أو تلك، أو يقف بوجه ظالمٍ ويسعى لإنصاف مظلوم، بحجة أن عملهم ذاك مجلبة للشر وسبب من أسباب الفرقة والاختلاف، وعامل مساعد للعدو إذ يمكنه من الوصول إلى تحقيق أهدافه وبلوغ مراده بأقل الخسائر، وهذا اعتقادٌ باطلٌ ينم عن سطحية التفكير وسذاجته لدى كل مَن يحاول إقناع الناس بهذا المنطق السخيف، لأن الذي يجلب الشر والدمار ويسبب الفرقة ويؤدي إلى التنازع والفشل والاختلاف، ويقدم للأعداء خدمة مجانية على طبق من ذهب هو التهرب من تحمل المسؤولية في حل مشاكل المجتمع، والتنصل من واجب التقديم للخدمة التي يحتاجها الناس في مختلف المجالات، والتساهل في ضياع حقوقهم، والسكوت عن الذين يعملون بين الناس بالظلم والعدوان، ويمارسون الجور والتسلط والبطش، ويدعمون وجود الباطل ويعملون على بقائه واستمراريته باسم الحق، ولكنها طفولية التفكير والتدبير، وعشوائية التحرك، وغياب التخطيط، والعمل على مراكمة المشاكل، وانعدام الجدية والرغبة في إحداث التغيير الفعلي وخلق الإصلاح التام والحقيقي، هي العوامل التي ترينا الأشياء على غير حقيقتها، وتجعلنا نتصرف بخلاف ما تقتضيه الحاجة ويتطلبه الواقع.
* نقلا عن : لا ميديا