مَن كان في قلبه ذرةٌ من إيمانٍ بعظمة ثورته، أو ذرةٌ من إحساسٍ بشيء من معنى الانتماء لهويته ودينه، أو لديه بعضٌ من الوعي، الذي يمكنه من الإدراك لحجم التضحيات، التي تُقدمُ يومياً، من قِبَل أطهر من تمشي بهم قدمٌ على ظهر البسيطة، أن يظل حاضراً في كل الساحات، بقلمه ولسانه، متصدياً للانحرافات، ومعالجاً للإشكالات، ومقيماً للأداء، ومقوماً للاعوجاج، ومصوباً للنظرة، ومعززاً لموجبات الوعي والبصيرة، لأن ثمة خطراً قائما يتهددنا، وتوجهاً محسوبا علينا يعمل على زعزعة ثوابتنا، وتقويض مبادئنا، والتشكيك بمسلماتنا، بقصدٍ وبدون قصد، لكن يبقى التشخيص لكل تلك العلل والنفسيات متاحاً، ومن زاوية المنهجية القرآنية، وعلى ضوء ما استوحاه وعمل على بيانه للناس الشهيد القائد أبو عبدالله الحسين (رضوان الله عليه).
فمثلاً، قد تجد حدثاً في مرحلة من زمن الثورة والجهاد، يكشف لك من خلال الكيفية التي يتم بموجبها التعاطي مع ذلك الحدث رسمياً وشعبياً، أموراً شتى، ففي الجانب الرسمي، تطالعك وسائل الإعلام، بين الفينة والأخرى، بتصريح لهذا المسؤول أو ذاك، تلمس من محتواه مدى الضعف النفسي، والهشاشة الفكرية، إلى جانب عدم الاعتزاز بما نحن عليه من ثبات واستقامة، وثورة وجهاد، وصمود وقدرة على مواصلة السير في درب تحقيق الاستقلال والحرية، وذلك كأنْ يسارع أحدهم إلى القول بأن وصول الممثلة الساقطة الفلانية، سيسهم في إيصال مظلوميتنا إلى العالم، وأن تلك الزيارة ستعمل بالطبع على التخفيف من معاناة الشعب نتيجة العدوان الظالم وحصاره الخانق.
ولا شك أن هذا وأمثاله ممن يحاولون الظهور بشيء من الانفتاح، والتحضر بمفهومه الغربي، ويعملون على تضمين أقوالهم عبارات توحي بأنهم معتدلون ووسطيون ويقبلون بالآخر، هم يفتقرون بدرجة أساسية للقابلية الداخلية في نفوسهم، لمعرفة ما نحن عليه، والوعي بقيمة التحول الكبير لشعبنا، لأن عقوداً من الاستعمار والاستبداد، والوصاية والظلم والعمالة والتبعية، لا بد أن تترك آثارها في النفوس، إذ تجد نتيجة اعتياد الوضعية السابقة والبقاء في ظلها فترة طويلة، حنينا إليها لدى البعض، مما يجعلهم غير قادرين على التخلق بأخلاق الوضعية الجديدة، أو الانسجام معها، لذلك لا تأتي قضية أو يمر حدث فيه شيء من ريح الماضي إلا وكانوا أشد انجذاباً إليه وتمسكاً به، وهكذا متى ما انحطت النفوس، تفقد الأشياء قيمتها لديها مهما كانت تلك الأشياء عظيمة.
* نقلا عن : لا ميديا