عند الانتقال من وضعية ذل واستضعاف وهوان واستبداد وقهر ووصاية وظلم وطغيان، إلى وضعية تمكين وقوة وعزة وسيادة وعدالة وحرية واستقلال، لا بد من التذكر الدائم للوضعية السابقة، والعمل على التذكير بها بصورة مستمرة ودون انقطاع، وذلك ما تحث عليه المنهجية التربوية القرآنية، التي استوحى أسسها وأرسى معالمها الشهيد القائد (رضوان الله عليه)، من خلال القرآن الكريم، لأن للتذكر والتذكير أهمية بالغة، كونه يقي الطليعة التغييرية من التفرعن والانحراف، من خلال الإيحاء النفسي والشعوري بأن ما تحقق من تغيير في الواقع، وحصل من نقلة نوعية، من حالة سيئة إلى حالة ووضعية أفضل من ذي قبل، ما كانت إلا بسبب حنكة ودهاء واقتدار ذاتي لدى هذه الطليعة، وبالتالي تترسخ الثقافة التدميرية لدى هؤلاء، التي ستنسف الواقع كله، إذ تصبح النظرة لكل ما هم فيه من نعم مادية ومعنوية، نظرة تضخيم للذات، تعتبر بموجبها كل شيء استحقاقاً طبيعياً لها، فتنسى نتيجة ذلك أن ما هي فيه هو نعمة من الله، يجب أداء حقها من الانقياد والطاعة والتسليم والشكر العملي. هذا من جانب.
ومن جانبٍ آخر فإن التذكر لما كان الناس عليه سابقاً، والحرص على نقل كل ما كان عليه الوضع في الماضي بكل مجرياته وتفاصيله، إلى الجيل الصاعد، سيمكننا من بنائه البناء الذي يجعل منه صورة طبق الأصل من الجيل الذي أخذ على عاتقه مهمة التغيير والإصلاح، فنضمن بذلك بقاء الروحية الجهادية والثورية مهما تغيرت الظروف وتعاقبت الأجيال، فلا يعود ثمة حدوث انتكاسة للثورة، بسبب انفصام في الشخصية المجتمعية، يتكون على إثرها جيل متنكر لهويته ودينه وقضيته وتضحيات أمته وشعبه، فيسهُل اختراقه من قبل الأعداء، وصولاً إلى السيطرة عليه واحتلاله من جديد.
وقد يحدث الانفصام في الشخصية لدى الجيل الذي مثل وجوده وجود الطليعة الثورية والتغييرية، وذلك عندما يتحقق للثورة شيء من الاستقرار، ويتجه العمل كله نحو الحصول على القوة المادية، وكلما أحرزت الثورة تقدماً عسكرياً، واستطاعت تصنيع وامتلاك قوة ردع نوعية، تغيرت النفوس، فتصبح النظرة مادية بحتة، وعندها يركن الناس إلى قوتهم، بعيداً عن الركون إلى الله والتوكل عليه والإيمان به، فتأتي الهزيمة في الموضع الذي ظن الناس أن به سيتحقق النصر.
كما يجب علينا إدراك أن العدو، كما يقول الشهيد القائد (رضوان الله عليه)، «لا ينظر إلى ما لديك من قوة وإمكانات، وإنما ينظر إلى نوعية الرؤى التي تتبناها، ونوعية الثقافة التي تقدمها، ووضعية المجتمع لديك، فهذا هو الشيء الذي يخيفه».
* نقلا عن : لا ميديا