كل سقطةٍ تربويةٍ أو فكرية أو ثقافية وراءها منظرون وثقافيون وعلماء وإعلاميون، هؤلاء مهمتهم فقط هي التبرير للوضعية السيئة في أي مجال من المجالات، وهم لا يدخرون جهداً في ذلك، والغريب أن ألسنتهم لا تنطق، وأقلامهم لا تتحرك، إلا في حال ظهور سلبيةٍ هنا أو ظلمٍ وتجاوزٍ هناك، عندها تراهم وهم يحذرون من كل أحدٍ يعمل على تنبيه المعنيين إلى السلبيات، ويجرمون كل صوتٍ طالبٍ للإنصاف والعدالة، إزاء ما وقع عليه من ظلم وتعدٍ وجور، من قبل هذا أو ذاك.
والحقيقة الجامعة لكل هؤلاء، أنهم استهلكوا أنفسهم في مجال واحد، وانصرفوا تماماً عن بقية المجالات، الأمر الذي أفقدهم القدرة على الفاعلية والتأثير حتى في المجال الذي حصروا أنفسهم فيه، لأنهم تحركوا ويتحركون ولديهم سقوف معينة لا يتجاوزونها. صحيحٌ أن عنوان كل طرحهم هو هدى الله سبحانه، لكن عند التدقيق في مضمون أطروحاتهم تجد أن هدى الله منهم ومما يقولون براء، لأن هدى الله لا يقبل التجزئة في مسألة تقديمه للناس أبداً، ولاسيما حينما تكون الغاية بناء جيلٍ على أساس القرآن، كما أن هدى الله لا يقبل أن تراعي في تقديمه مشاعر فلان أو علان، لأنك متى ما سكت عن قضية خشية ردة فعل ذلك الشخص، أو طمعاً بما عنده، أو رغبةً بنيل رضاه، فإنك لم تعد تمثل دين الله، ولم تعد منطلقاً في خط العبودية له سبحانه، بمعنى أنك بسكوتك عن الحق وتماهيك مع الباطل، وتصالحك مع الفساد، قد صار لديك دين غير الدين، صرت تعبد بموجبه صنماً من دون الله.
وقد يحاول هؤلاء الالتفاف على الثوابت لديك، بالطريقة التي تمكنهم من توظيفها لصالحهم في تمرير باطلٍ أو تزييف حق، فيقولون لك: إن كثرة التساؤلات من قبل المؤمنين ظاهرة خطيرة، لكونها تعد تعبيراً عن وجود امتداد لتلك النفسيات الجاحدة والمعاندة، والتي كفرت بأنعم الله، وكذبت وقتلت رسله وأنبياءه (عليهم السلام)، وهم بنو إسرائيل.
وقولهم هذا مردودٌ عليهم، لأن هدى الله متى ما قُدم إلى الناس بشكل كامل، هو كفيلٌ بإزالة كل التساؤلات، لأنه يعمل على بناء الإنسان الواعي والقادر على القيام بدوره الواسع سعة هذا الكون، وليس لنا الحق بأن نقول عمن حولنا: إنهم كبني إسرائيل إلا عندما يصل مستوى حرصنا على تثقيفهم وتربيتهم والصبر عليهم، ورعايتهم، إلى المستوى الذي كان عليه موسى (عليه السلام).
* نقلا عن : لا ميديا