لانزال بصدد المحاولة لبيان شيءٍ من مظاهر انتماء الحاجة أو الانتماء الشكلي، والذي كما سبق أن ذكرنا بالأمسِ كيفية مجيئه، وطبيعة الدوافع النفسية والفكرية والاجتماعية لدى جمهوره، والذين غالباً ما يكونون من فئة الشباب، وهي الفئة التي فقدت ثقتها بنفسها وبمجتمعها وحاضرها ومستقبلها، لذلك فهي بحاجة إلى انتماء لطائفة أو جماعة أو حزب أو حركة، بغض النظر عن طبيعة المنطلقات والأهداف والرؤى التي تعمل على ضوء الاستناد إليها، بمعنى: أن مسألة الحق والباطل لدى هذه الفئة مفروغٌ منها، فلتكن تلك الحركة المراد الانتماء إليها دينية، أو علمانية، أو إلحادية، أو أي شيء آخر.. المهم أن تكون ذات قوة ونفوذ في الساحة، وأن تكون لديها الإمكانات التي من خلالها يمكن لكل فردٍ من أفرادها أن يجد ما يسد جميع احتياجاته الشخصية، ويوفر له كل متطلباته الحياتية، من هنا يمكننا البدء بتسجيل بعض النقاط التي تشتمل على بعض المظاهر السلبية والآثار التدميرية الناتجة عن وجود مثل هؤلاء المنتمين الشكليين في هيكل العمل الثوري الحق والعادل، وفي بنية الحركة اليمانية الإيمانية القرآنية المجاهدة، كي لا نقع تحت تأثير خدعهم القائمة على الحماس والانفعال البعيدين كل البعد عن الحق والصواب، وهي كما يلي:
أولاً: سيطرة النزعة العصبية على ذوي الانتماء الشكلي، إذ يتعاملون مع أي محاولة لإصلاح الأخطاء، وتفادي الوقوع في أتون الانحراف والشر والفساد، وأي مراجعة نقدية لكل أنشطة العاملين ومختلف المسارات العملية على أنها استهداف مباشر للثورة ومكتسباتها ومجاهديها من قبل العدوان، وعن طريق الطابور الخامس، الذي أصبح مصطلحاً مطاطياً كاد أن يشمل جميع المخلصين والشرفاء.
ثانياً: قد يريك المنتمي الشكلي براعةً في حفظ قواعد النهج ومبادئ الحركة الثورية وقيمها، ولكنه أبعد ما يكون عن الالتزام بها في حركته العملية، وفي تصرفاته وسلوكياته مع الناس، لأن هدفه هو لفت أنظار الآخرين إليه والبحث عن التميز والصدارة والقرب من مصادر القرار، وليس تثبيت قواعد التغيير والإصلاح على أرض الواقع وجعل الناس يشهدون ذلك ويلمسونه في مختلف مجالات حياتهم.
ثالثاً: غالباً ما يجد الانتهازيون والفاسدون والمقصرون والعاجزون من الساسة والمسؤولين بالمنتمي الشكلي ضالتهم، فهو القادر على تقديم الصورة الخيالية عن كل شيء، بمعزل عن الحقيقة والواقع، إذ يستطيع تضخيم كل الحلول الجزئية وتقديمها للناس على أنها أُس الحلول لجميع المشاكل، وبوابة الخلاص من كل المعاناة، وإذا ما قام المسؤول بإنصاف مظلوم بفعل قدرة قبيلته على الوقوف معه، أو نتيجة تبني شخصية اعتبارية لقضية ذلك المظلوم، وجدت المنتمي الشكلي هذا يقول: نحن في دولة العدل الإلهي، وفي ظل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وإذن لم يعد هنالك مظلومون وظالمون، وكل مَن ينادي بإنصافه ليس سوى صوت نشاز لا بد من إيقافه عند حده، لمنع إثارة البلبلة في الجبهة الداخلية وسد باب الذرائع أمام كل المرجفين والمنافقين!
* نقلا عن : لا ميديا