عادةً ما يكتشف الناظر بوعي لمعظم ما يُنشر من كتابات عبر شبكات التواصل الاجتماعي الكثيرَ من الأمراض التي لاتزال مهيمنة على بعض النفسيات، وحاكمة لنظرة وتفكير ومواقف أصحابها، ومحددة لتوجهاتهم وأولوياتهم، وناظمة لأنشطة وسلوكيات هؤلاء المصابين بهذه الأمراض، صحيحٌ أنهم قلة، ولكنهم استطاعوا جذب الكثيرين منا، بالمستوى الذي مكنهم من أن يملوا علينا ما يريدون، ويوجهونا نحو الاتجاه الذي يختارون، وفي الوقت الذي يحددون وبالطريقة والأسلوب الذي يقررون، وهنا يكمن خطرهم، إذ توشك أمراضهم أن تعم جميع مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي، ومن ثم تتسلل شيئاً فشيئاً إلى وسائل الإعلام، وأماكن التجمعات واللقاءات المختلفة، إلى أن تصبح ظاهرة عامة لدى المجتمع كله في نهاية المطاف وعندها يصير الجميع محكومين بنزعة الانفعال القائم على أساس التأثر الآني الخالي من أدنى درجات التفكر والفهم والاستيعاب والتبصر تجاه كل ما يحدث، وهكذا تسود فوضى المفاهيم، وتعمم المصطلحات الضبابية، ويُفرّغُ المجتمع من كل عوامل الإحساس بما يدور حوله، وتموت فيه دوافع المسؤولية التي تضعه أمام ما يجب عليه فعله، وأين يجب أن يقف ومن أين يبدأ.
وقد تتعدد الأمراض لدى أولئك، لكنها على الرغم من تعددها من حيث النوع، وتفاوتها من حيث الخطورة قوةً وضعفاً مستندةٌ إلى العصبية بكل أنواعها، وعليه دعونا نقف على بعض هذه الأمراض بغرض أخذ الحيطة والحذر كي لا نصبح ذات يوم من ضحاياها، ويمكن بيانها كما يلي:
يقابلنا في بداية تحركنا في الفحص والتأمل المصابون بمرض المذهبية، وهو مرضٌ اتسعت دائرة التهديد بانتشاره أكثر من ذي قبل بعدما أصبح اليمن ضمن محور الجهاد والمقاومة، وشريكاً قوياً وفاعلاً في ساحة الدفاع عن مقدساتها وثوابتها وقضاياها العادلة، وحقوق شعوبها المظلومة والمستضعفة، ولاسيما بعد إعلان سيد الثورة والجهاد يحفظه الله، أننا سنكون جزءًا لا يتجزأ في معادلة الحرب الإقليمية للدفاع عن القدس ضد الصهاينة المعتدين، استجابة لما دعا إليه وأعلنه سيد المقاومة والنصر (حماه الله)، حينها جن جنون المسكونين بالعفن الطائفي، فانبرت أقلام لا هم لها سوى النيل من أحرار هذه الأمة، والحط من رموزها، والتشنيع عليها في ما تعتقد به أو تلتزمه، ويأتي في مقدمة هؤلاء المرضى شخصٌ استطاع تمرير سمومه إلى الوسط الثوري المجاهد، فينجر المئات منهم للتفاعل مع ما يطرحه هذا المأزوم، والتأييد لكل ما يقول، كل ذلك تحت تأثير اللاوعي نتيجة بقاء رواسب الماضي المقيت بكل مناحيه، وعدم التفاعل الإيجابي مع النهج الذي نحمل كمجاهدين، والذي متى ما استطعنا الارتقاء بأنفسنا إلى مستواه أصبحنا بمستوى الرسالة التي جاءت للعالمين وليست حكرا على مذهب أو جماعة.
ثم يأتي بعد مرضى المذهبية المصابون بمرض العصبية القبلية، والغريب أنه كلما طال أمد الثورة والجهاد واتسعت دوائر المعرفة بالنهج والخط، وكثرت الشواهد الواقعية المبينة على أنه الحق، نجد مَن ينسب نفسه إلى منطقته الجغرافية وليس إلى أبيه، والمصيبة أنه يضيف بعد ذكر المنطقة كلمة: الثائر! وهكذا كثر اليوم المقلدون لهذا النمط والأسلوب.
* نقلا عن : لا ميديا