يحتاج الحق كفكر وخط وقضية من حملته إلى اعتماد الأساليب التي تفتح قلوب الناس وعقولهم على الحقيقة من أقرب طريق، فلدى كل إنسان كما يقول الشهيد القائد رضوان الله عليه: القابلية لأنْ يهتدي، باعتبار فطرته التي فطره الله عليها، إلى جانب ما يشتمل عليه الهدى في مضامينه المنهجية من عوامل جذب للناس كل الناس، الذين لا يملكون أمامه إلا أن يقبلوه، ويتمسكوا به، ويعملوا على تبليغه لسواهم، بل هم مَن سيتحركون تلقائياً ليدافعوا عنه، متى ما تعرض لأي تهديد من التهديدات، التي تستهدف وجوده في النفوس، وتسعى لمحو آثاره في الواقع، وبالتالي فإن وجود معرضين في الوسط الذي يتحرك فيه أهل الحق، عائدٌ إلى اعتماد الأساليب الخاطئة في مخاطبة الناس ودعوتهم والتبيين لهم، وهكذا يتبين: أن كل خلل في الساحة ناتجٌ عن خلل في الأسلوب المتبع من قبل أهل الحق، سواءً أكانوا في مقام التربية والتثقيف والبناء الفكري، أم في مقام الحركة العملية، وما يرتبط بها من مهام ومسؤوليات تختص بخدمة الناس، وإدارة شؤونهم.
وقد أكد أهل بيت النبوة عليهم السلام، على أهمية اعتماد الأسلوب الأحسن، من خلال ممارساتهم العملية، وفي ما تضمنته كلماتهم ومواقفهم في جميع الأحوال ومختلف الظروف، فهذان الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة عليهما السلام، عندما وجدا رجلاً لا يُحسن الوضوء، وهما كانا لايزالان في سن الطفولة، ولكنهما يحملان هم الرسالة وهم الأمة، لذلك بادرا إلى أن يجعلا ذلك الرجل حكماً بينهما، فتوضآ أمامه، ليدرك في نهاية المطاف أنهما على صواب، وأنه هو المخطئ، ففهم الدرس ووعاه، من هنا ندرك أنه لا بد لنا في كل ما نبديه من أقوال، ونقوم به من أعمال، لها صلة بالناس، من مراعاة الكرامة الآدمية، وألا يكون همنا هو التشنيع على الآخرين وتسقيطهم، والإثبات بأننا أفضل منهم، وإنما يكون همنا الأول والأخير هو: الرفع من مستواهم، والحفاظ على إنسانيتهم، والإصلاح لأفكارهم ومعتقداتهم وأوضاعهم، وقد قيل: مَن كسر مؤمناً فعليه جبره.
ومثلما يجب مراعاة الأسلوب في الإصلاح للأخطاء العملية والفهم المغلوط، يجب مراعاته كذلك في التصحيح للنظرة التي يحملها ضحايا الثقافات والأفكار المضادة، كما فعل الإمام الحسن بن علي عليهما السلام، وذلك عندما قابله رجل متشرب للعداء لأهل البيت، نتيجة خضوعه الفكري لكل ما كان يبديه الإعلام الأموي، إذ لم يكد الرجل يرى الإمام حتى ابتدره بسبه وسب أبيه وأخيه، فرد عليه الإمام: لا بد أنك غريب، فإن كنت جائعاً أطعمناك، وإن كنت عارياً كسوناك، وإن كان لك حاجةٌ أغنيناك، وأمر بأن يؤخذ ذلك الرجل إلى البيت، فما خرج من عنده إلا وهو يقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته.
* نقلا عن : لا ميديا