قد يجد المعني بتحمل المسؤولية في أي مجالٍ من المجالات لنفسه أكثر من مبرر لكي يعذره الناس إذا لم يتمكن من القيام بما كُلِّف به كما يجب، وذلك حينما تكون الخلفية الفكرية للحركة التي ينتمي إليها ذلك المسؤول منطلقةً من اجتهاد بشري خالص، وليس لها أدنى صلةٍ بخط الرسالات الإلهية، ولا تستند إلى تعاليم الوحي من قريب ولا من بعيد، أما ونحن ننتمي لمسيرةٍ باعِثُها وروحها وكيانها ومتنفسها ومنبتها وأصلها وجذرها وفرعها القرآن الكريم، ونرتبط بخطٍ جهاديٍ ثوريٍ قادةُ السالكين فيه هم أنبياء الله ورسله عليهم السلام، الذين خُتِموا بسيد الخلق وإمام المرسلين محمد صلوات الله عليه وآله، فأقام الحق، وبنى المجتمع التوحيدي، وبدد جموع الفساد والباطل، فلا عذر لنا أمام الله ولا أمام خلقه، وأنّى لنا ذلك وقد أقررنا على أنفسنا بالتمسك بالثقلين، وقلنا بولاية سيد الوصيين، وجددنا البيعة تحت راية الثورة على الظلم والطاغوت للإمام الحسين؟ وطالما والحال هكذا فلنراجع أنفسنا بصدق، ونفتش في الحيثيات والدوافع لكل عملٍ من أعمالنا، لنرى: هل فعلاً نحن بمستوى هذا النهج؟ بمعنى: هل استطعنا بناء توجهنا، وتحريك خطواتنا وفق القرآن الكريم؟ وهل كانت كل تصرفاتنا ومواقفنا وقراراتنا وأولوياتنا وطرق تعاملاتنا مع الناس وما يتصل بحياتهم من خدمات ويعتريهم من معاناة وما لهم علينا من حقوق مضبوطةً جميعها بضابطٍ قرآني أم لا؟ ثم لماذا يوجد خللٌ هنا أو هناك يوحي للمتتبع بازدواجية بين المفهوم النظري والحركة التطبيقية لهذا المفهوم في الواقع؟ ولاسيما ونحن نستند إلى منهجية غنية بالنماذج العملية، كما لسنا أول من تحرك في سبيل الله، أم أننا لم نستوعب بعد ما قدمه الشهيد القائد عن الهوية الإيمانية؟
جميلٌ جداً أن نتحدث في كتاباتنا ومحاضراتنا وبرامجنا عن نعمة الجهاد في سبيل الله، وتحت راية الحق التي رفعتها كف وليه علم الهدى وسيد الثورة حفظه الله، ولكن مع ضرورة السعي الدائم لأداء حق هذه النعمة من شكرٍ لله، وذلك لن يكون إلا من خلال التوجه العملي في مختلف الميادين، لكي تبقى هذه النعمة، ويلمس الناس آثار بركتها، ليفرقوا بين حكم أولياء الله وأولياء الشيطان واقعاً، من خلال ما يلمسونه من سمات ومعايير، ويحصلون عليه من نتائج على كل المستويات.
وكذلك علينا السعي إلى الارتقاء بأنفسنا عن وعي واستقامة إلى المستوى الذي نلمسه في خطوات سيد الثورة، ونعمل على توجيه كل جهودنا لتحقيق كل ما يقدمه في كلماته من رؤى لبناء الحاضر والمستقبل، مع العلم أن مَن يعيش فعلاً الولاء لله ورسوله وأوليائه هو المواكب لعلم الهدى، باستجابة عملية، وتحرك فاعل، لتنفيذ كل توجيه بوقته وحينه، ودون أي تردد أو تثاقل أو تأخير، وتحت أي ظرف، بعيداً عن الاحتجاج بقلة الإمكانات، أو كثرة المعوقات والعراقيل والعقبات، لأنك مادمت تنقاد لله من خلال أنبيائه أو من خلال ورثة الكتاب وقرنائه فأنت أمام خيارين: فإما أن تكون طالوتياً خالصاً، وإما أن تكون سامرياً أو بلعمياً، وعليك أن تختار.
* نقلا عن : لا ميديا