يكتفي معظم المعنيين بتحمل المسؤولية عند إحراز أي تقدم عملي لليد الحامية لهذا الشعب بشقيها العسكري والأمني فقط بتناول ذلك التقدم أو الإنجاز أياً كان مستواه من زاوية واحدة هي: أنه أصبح شيئاً موجوداً على أرض الواقع، وأن وجوده هذا يقتضي منهم الذهاب لمشاهدته، ولا بأس من أخذ عشرات الصور التذكارية لبعضهم البعض أثناء ذلك الحضور، حتى إذا ما تمت مشاهدتهم لذلك الإنجاز، وجاء موعد مغادرة كلٍ منهم إلى مسكنه، قاموا بنشر تلك الصور على حساباتهم الشخصية في شبكات التواصل الاجتماعي، مع الحرص الشديد على تذييل تلك الصور بكلمات شارحة لما تضمنته، أو معبرة عن حجم الفرحة بما توصل إليه رجال الرجال، أو بالتوجه إلى الله بالحمد والثناء على ما أنعم به علينا من نعم، ومنحنا من عون ورعاية وغير ذلك، ولكن دون أن يكلف أي منهم نفسه عناء السؤال: كيف تحقق هذا التقدم الكبير؟ وما هو السر الذي يقف وراء كل إنجازات الجيش والأمن؟ إذ العبرة بالمقدمات التي مهدت لتحقيق ذلك التقدم العملي والإنجاز النوعي والعظيم، وليست فقط بالنتيجة المترتبة على وجودهما على أرض الواقع، ولو أنهم اتجهوا بجدية لفهم طبيعة الروحية التي جاهدت، وصابرت ورابطت، وواجهت في الميدان لكل التحديات فتقدمت وانتصرت، ولم يكن ذلك مدعاةً للاسترخاء والانصراف إلى التمجيد للذات المنتصرة، بتعداد مفاخرها السابقة، والتغني ببطولاتها المشهودة في مختلف المعارك على امتداد جغرافية المواجهات، ليذهب بعد ذلك جيشنا ولجاننا ورجال أمننا في سباتٍ عميق، مليءٍ بهدهدات الأحلام السابحة أبداً في فضاء الخيال الجامح، والمستسلمة لسحر الأماني الخادعة، لأدركوا مقدار ما يفصلهم عن الوصول لشيء مما قد وصلت إليه اليد التي تحمي، ولاستوعبوا أنهم بحاجة لآلاف السنين الضوئية حتى يتمكنوا من اللحاق بهؤلاء النماذج، كي يسيروا معاً في طريق الحماية والبناء، الذي يكمل كل منهما الآخر ويقويه، والحقيقة أن ذلك لايزال متاحاً، إذا توفرت النية الصادقة للقيام بذلك، على الرغم من مدى الفارق بين كلتا اليدين المكلفتين بالبناء والحماية، وخلصت الدوافع العملية من كل الشوائب المسببة للعجز، واتجهت روحية اليد البانية في تحصيل زادها من ذات المكان الذي اتجهت إليه اليد التي تحمي لذات الهدف والغاية، حينها ستتحد المقاصد، وتسمو النفوس، ويتحقق البناء الشامل، تبعاً لما تم تحقيقه في جانب الحماية، وعلى ذات المنوال، المنطلق في المسار التصاعدي والمتواصل دون توقف.
إن اليد التي حمت صنعت وسائلها التي تساعدها على القيام بدورها المشرف، وأداء واجبها المقدس بنفسها، وفي ظل العدوان والحصار، ومن خلال المتاح والمتوفر من الإمكانات البسيطة، وفي ظل الاستهداف المستمر والكبير لتدمير بنيتها التحتية، والقضاء التام على كل عوامل قوتها، والملاحقة الدائمة للتنكيل بعناصرها البشرية، ومع ذلك كله ها هي تنجز وتتقدم وتقوى وتنتصر وتصنع وتبتكر وتطور، ولو أنها اكتفت بالاستسلام لقواعد المنطق لاكتفت بالتبريرات التي تعفيها من القيام بدورها أمام أي تقدم يحرزه العدو، ولكان ذلك مقبولاً منها لدى الشارع، ولكن هيهات، فالروحية التي تنطلق على أساس إيماني، وتسير في عملها بالاعتماد على الله، لا تستسلم للعقل، ولا ترضخ لما عليه الواقع، لأنها تستند إلى مسبب الأسباب، وتتطلع إلى مَن بيده الأمر كله، كل ذلك في ظل عمل مستمر، وتخطيط دائم، ودراسة فاحصة لكل الواقع، وبحث مستمر عن كل ما هو إيجابي لتقويته وتنميته، وكل ما هو سلبي للقضاء عليه واستئصاله من طريقهم، بالإضافة إلى الذوبان في المشروع، والنسيان للذات في طريق السير مع الله، لذلك نسمعهم يقولون دوماً «هو الله»، مع تمثل الوعي والتزام البصيرة في كل توجه يتوجهونه أو درب يسيرون فيه، تاركين أمر المستقبل لله، وراضين بما تقتضيه إرادته، فهو صاحب الأمر كله، لذلك سلموا من التراجع والنكوص على الأعقاب بخلاف سواهم، فلم يحتاجوا للتبريرات التي لا تصدر إلا نتيجة التراجع المصحوب بالعمل التخريبي بكل معانيه، يقول الشهيد القائد: عندما يستمر الناس في عملهم، لا ندري ماذا سيكون في المستقبل، إذا لم يكن هناك وعي بالشكل المطلوب عند الكثير منا، ستظهر أشياء تُقَدَّم باسم الدين، إذا لم يكن عندك وعي، لم يكن عندك بصيرة، لم يكن عندك تفهُّم من قبل، فإنك تكون معرضا لأن تتضعضع، تكون معرّضًا لأن تتراجع، ولو لم يكن باسم أنك متراجع عن القضية من أساسها، ولكن قد يكون التراجع في موقف واحد.
أحياناً قد يأتي مثلاً أثر لدعاية معينة، تؤثر في الناس، في اتخاذ موقف معين، في وضعية معينة، في وقت معين، فيؤثر عليك ولو لم يجعلك تتراجع بشكل عام عن المسيرة كلها، وعليه فإن المرحلة التي نحن فيها لم تعد مرحلة يتحرك فيها الناس بدون وعي، وبدون فهم؛ لأن النتيجة ستكون أخطاء تصدُر، وتراجعات من البعض، ومَنْ يتراجع فإن الشيطان يجعله في الأخير يتحرك هو، ليُخَرِّبَ، متى ما تراجع شخص فإنه في الأخير يحاول هو أن يبرِّرَ تراجعه، وينطلق ليخَرِّب.
* نقلا عن : لا ميديا