واهمٌ ومغفلٌ وناقصُ وعي، وجاهلٌ بمنهجية المسيرة وأدبياتها، ذلك الشخص الذي يشجع على فتح حسابات في شبكات التواصل الاجتماعي بأسماء وهمية، أو بانتحال أسماء شخصيات مشهورة عالمياً، كأنْ يكونوا رؤساء أو ممثلين سينمائيين، أو أكاديميين وأدباء ومثقفين، أو أعضاء برلمانات أو حقوقيين، بغرض إيصال ما نود إيصاله للناس في مختلف بقاع الدنيا من فكر وقضية وموقف، لأنه لو كان لديه أدنى اطلاع على ملزمة «إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا»، لأدرك أن مَن يحمل الحق لا يقبل على نفسه التواري خلف فنان شهير، أو مثقف مرموق، وإنما يسعى هو لتبليغ ما يحمله من رسالة، إلى كل الناس، وبكل ثقة بنفسه وموقفه وفكره، ومن موقع الإيمان بالله، وطلب العون منه على الثبات والهداية والتسديد في ما يعمل ويقول، ولقد وصف الله نوعية من عباده المخلصين بأنهم أحسن المتكلمين قولاً، لأنهم وظفوا كل ملكاتهم الفكرية وجميع طاقاتهم الروحية وكل أنشطتهم العملية، وجل أوقاتهم في الدعوة إلى دين الله، وفي العمل الصالح الذي تتجسد من خلاله الأفكار التي تدعو سواها لالتزامها، فيرى الناس في حركتها القدوة العملية، التي تجسد كل ما تقوله من مفردات ومبادئ إيمانية في خطواتها ومواقفها وسلوكها، فلا فرق بين القول والفعل لديها، فما قد يغفل عنه الذي يستمع إليها، سيشاهده بأم عينه في ما تقوم به مجتمعة، أو من خلال قيام فرد واحد كتعبوي أو إعلامي وهو يجسد هدى الله على أرض الواقع، فيقتنع أيَما اقتناع، كما لا تكتفي هذه النوعية بالقول والعمل فحسب، بل تؤكد كل ذلك في المواقف التي لا مجال فيها للبقاء خلف شخصية وهمية، وإنما تظهر أمام العالم وهي تعتز بانتمائها وتدافع عن فكرها ورسالتها في الحياة، وذاك ما يوحي به قوله تعالى: «ومَن أحسن قولاً ممَن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين».
إن دين الله لا يشترط على حامليه أن يكونوا على قدر كبير من الشهرة والجاه والمنصب والمال والوسامة كي يتسنى لهم الحصول على حق التبليغ والتوعية والنصح لسواهم، وإنما تكفي للحصول على هذا الحق سلامة النفس، وطهارة الضمير، ومعرفة الواقع، ونبل الدافع، وسمو القصد والهدف، وطبيعة الفكرة التي يود الإنسان الحث على التزامها، فلتكن إذن مغموراً أو مشهوراً، وسيماً أو دميماً، فقيراً أو غنياً، إعلامياً يحظى بمعرفة الجماهير، أو مستجداً لا يكاد يعرفه أحد، فكل هذه الأمور لا قيمة لها عند الله، وإنما القيمة كل القيمة هي لصوابية الطرح، وقوة الحجة، ووضوح المنطق، وصدق التوجه في ذلك إلى الله كي يرضى عنك، ويكتبك من الشهداء لله، الذين يشهدون على أنفسهم وعلى الناس وعلى الحياة كلها، طبقاً لما أراد الله، ومن واقع التمسك برسالته ومضامين وحيه المقدس والعظيم، الذي يطبع فكرك ومشاعرك وسلوكك ومواقفك بطابعه، ويمنحك المشروعية في أن تقول: كل شيء ترى فيه لله رضا.
وعليك ألا تكتفي بما قد بلغته من علم ومعرفة، أو تحقق لك من وعي، أو ثبت لك من مواقف وأسبقية في خط الاستقامة على صراط الله، لأنك معرض للانحراف والسقوط والانقلاب على الأعقاب، إذا لم يكن عندك حرص على طلب الهداية من الله في كل وقت وحين، فكم هم اليوم ضحايا الركون إلى أنفسهم، المقتصرون على ما لديهم من حنكة ودهاء وقدرة على تمييز الحق من الباطل، قد أصبحوا حطباً لنار الوهم، وصاروا فريقين في صف الباطل، فإما عارفون للحق في مضمونه، ومخالفون لما عرفوه في حركتهم، مجانبون له في سلوكهم ومواقفهم فاستحقوا غضب الله، وإما غارقون في الثقافات المغلوطة، يقبلون كل ما يسمعون، ويعتنقون كل ما وصلهم من قضايا وأفكار دون أن يكلفوا أنفسهم عناء لحظة من تفكير، أو وقوف بين يدي العليم الخبير، مستهدين ومسترشدين به سبحانه، فاستحقوا الضلال في الحياة، والخسران في المصير.
* نقلا عن : لا ميديا