عيدٌ وأي عيد هذا الذي حل بساحتنا، مالئاً نفوسنا بمعاني العزة، وباعثاً فينا روح الأصالة، ومقدماً بين أيدينا شواهد التكريم الإلهي الذي اختصنا به الله عز وجل، دون بقية الأمم والشعوب؟ عيدٌ حوى بين طياته فصولاً من عبق ذكرى الدخول في دين الله، وسرعة الاستجابة لرسوله، والتوجه العملي للالتزام بمقتضى الوحي، ومضامين الشريعة، والتبني لنشر هذا الدين والدفاع عنه، مع التجسيد لكل معانيه وقيمه وإيحاءاته ومفاهيمه العقدية والسلوكية والعملية، فكان بحق شاهداً على استحقاقنا لشرف الانتساب للإسلام، والانتماء للإيمان، الذي به عُرفنا، وله عرفنا وأكدنا في كل مقام ومنعطف، فكان هويتنا، والروح النازلة بأجسادنا، فهو الطابع الذي انطبعت به النفس، فكان ذلك دافعها لجعله معلماً لبيئتها، وكوناً لمكانها الجغرافي على ظهر هذه البسيطة، وأساساً حاكماً لكل نوازعها وأفعالها ومواقفها في واقع الحياة كلها، إذ: الإيمان يمان، هكذا قال الصادق المصدوق رسول الله محمد، صلى الله عليه وآله، وقوله ذاك لا يحده عصر، ولا يبليه تعاقب الأيام، وتقادم السنين، لأن قوله شريعة حاكمة للزمن كله، وللإنسان كله، الأمر الذي يحتم علينا العودة إلى هذه الهوية، كنظام للحياة، وأصل من أصول الفكر والسلوك والتوجه، ومصدر من مصادر البناء التربوي، والإعداد للشخصية اليمانية على أساس هذا الإيمان، الذي لا بد من تعميمه على الواقع، بالمداومة على الالتزام به، والحرص على جعله حركةً مستمرةً في كل مجال من مجالات الحياة، وسائر شؤون الإنسان الخاصة والعامة.
إن العودة إلى هذه الهوية ليست هروبا من الواقع، بالانكفاء على الماضي، والتخلي عما يجب فعله لمواجهة قضايا الحاضر وإشكالياته، وإنما هي عودةٌ واعية على أساس القرآن الكريم، ككتاب هداية من الله لعباده في كل زمان ومكان، فنستدل بمعالمه على معالم الطريق المستقيم، ونستضيء بنوره في كل خطوة نخطوها في ظل الظلمات والجهالات، ونسترشد به في كل مرحلة نواجه بها صنوف الضلالات، ومن نعم الله علينا: أن مَنّ علينا بالارتباط به مجسداً في الحركة العملية، وظاهراً في تجليه من خلال شخص الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، الذي عنه تلقينا تعاليم هذا الدين، وبه دخلنا في عالم الرسالة الخالدة، وعنه أخذنا الحق، وفي ركابه سرنا، وله تولينا، وبه تشيعنا، وهو ليس شخصاً فحسب، بل نهج راسخ في العمق الإسلامي، جار ممتد مع كل جيل، وبامتداد الزمن، من خلال سلسلة الورثة للكتاب والأمناء على الرسالة المحمدية السمحاء، وبذلك لا تخدعنا العناوين الزائفة، ولا تجذبنا بما تدعيه زوراً قوى التحريف والانحراف، المحسوبة على هذا الدين، كما لا يزيدنا هذا الإحساس بالانتماء لهذه الهوية، إلا وعياً وإخلاصاً وتواضعاً، مبتعدين عن الكبر، ومجانبين للغرور والتقوقع والانزواء على النفس، متجهين للعمل بناءً على ما تقتضيه المسؤولية المترتبة على الانتماء الإيماني، موقنين بأن الله معنا، ناصراً ومعيناً، ولياً وحافظاً ومؤيداً.
إن ما يدعونا اليوم أكثر لشكر هذه النعمة هو: ما آل إليه واقع المنافقين من مدعي الصلة باليمن الأرض والإنسان، والذين لم يجدوا سوى العودة إلى الوعل، كتعبير دقيق عن واقع الانحطاط الذي وصلوا إليه، وكشاهد صريح على طبيعة الصنمية التي تشربها أولئك، وحجم الفراغ الذي يعانون منه، ومستوى البعد عن الله، لدرجة اتخاذهم الوعل رباً ومذهباً وأصلاً وعنوانا للفكر والثقافة، ومستندا تاريخيا، وشكلا حضاريا، تماماً كما فعل أصحاب السامري من قوم موسى مع العجل، وبين العجل والوعل روابط وصلات، صنعتها مراحل من العبودية من عبدة الوعل، لعبدة العجل، وما استتبع تلك المراحل من تتبيع وتطبيع وولاء ومحبة، فالحمد لله الذي جعل يمانيتنا قائمة على الإيمان به، وأرانا مسوخ الأقيان في درك السفالة والحيوانية، يفتشون عما يربطهم بهذه الأرض، فلا يزيدهم ذلك إلا بعداً وتيهاً وغربة وانقطاعا، لا عن اليمن فحسب، بل عن الإنسانية عموماً، فلا دين، ولا حرية لديهم.
* نقلا عن : لا ميديا