مجدداً يقف سيد الثورة، وقائد معركة التحرر والاستقلال، وحامل نور الهداية، أيده الله، منادياً: أيها الخارجون من ظلمات الجهل والضلال والغواية، المنتصرون على سدنة الطغيان، وأرباب الجور والفساد والعمالة، الثابتون في ميدان التصدي للشيطان الأكبر، والصهيونية العالمية، ومَن والاهما، تعالوا إلى مائدة الوحي، وخذوا ما يُقدم لكم فيها من زاد، كي تستقيم خطواتكم، وتستنير عقولكم، وتحيا قلوبكم، وتسمو نفوسكم، فتكون أخلاقكم وأعمالكم ومواقفكم وكلماتكم مقرونة بالوعي والبصيرة والحكمة والرشد، محققة لمضامين الإيمان في حركة الواقع الملموس، ومجسدة لمعاني تقوى الله في كل المواقع والحالات والظروف والاتجاهات والقرارات والأفكار والأحكام والعلاقات والمعاملات، ومعبرة عن صدق الامتثال لأوامر الله، ومدى الجدية التي تدفعكم للمزيد من تعزيز الصلة به، والاعتصام بحبله، باعتبار ما لديكم من استعداد للاستفادة من كل ما يحمل في عمقه شيئاً من العظة والعبرة، ويضع بين أيديكم خلاصة التجارب للأمم السالفة، ويبين لكم مسار السنن التي تقوم عليها حركة الوجود، كنظام إلهي لا يتغير، ولا يتبدل، ولا يختل، ولا ينتهي أو يزول، مهما تعاقبت الأجيال، وتباعدت السنون، وتبدلت مظاهر الحياة، واتسعت هموم ومطامح وحاجات ومدارك وعلوم ومعارف هذا الإنسان.
ولكن يا تُرى مَن منا سيستجيب لهذا النداء، ويُقبل إقبال الساعين المسارعين إلى ميادين الطاعة لله بإخلاص ويقين؟
لن يستجيب سوى مَن لم يغادر جبل الرماة بعد، وظل ملازماً لمحراب جهاده، على الرغم من تهافت المتهافتين على الغنائم، التي لا يقوى الطرف على مقاومة سحر بريقها الأخاذ، الذي يسلب اللب، ويثير النفس، ويشعل مطامعها ورغباتها، ويخرج كوامن غرائزها.
لن يستجيب إلا صنفٌ من الطالوتيين، الذين ظلوا طوال رحلة الجهاد والتمكين، البالغة حتى الآن تسعا من السنوات، ومع هذا لم يمدوا أياديهم إلى النهر المنهي عنه، طمعاً بارتشاف غرفة من مائه، على الرغم من اشتداد عطشهم، وجواز ذلك لهم، باعتبار دخول عملهم ذاك في حكم الاستثناء، كون نفوسهم تأبى النقص، لذلك تلتزم الأمر الذي صدر أول مرة، ولا تهتم بما جاء بعده من رخص واستثناءات، كما أن هذا الصنف المتميز يعلم: أن مجرد اغتراف غرفة بيده مجلبة للضعف والتراجع والانهيار، وذاك ما لا يقبله لنفسه، فما بالك بمَن آثر الانكباب على هذا النهر بكل كيانه، كيف سيكون حاله؟
* نقلا عن : لا ميديا