وأنتَ تصغي لنثر الدرر العلوية، على صاحبها صلوات الله وسلامه، بلسان سيد الثورة أبي جبريل، أعانه الله وحماه، تشعر أنك أمام أسس منهجية لبناء الحياة بشكل عام، وفق التخطيط الإلهي، الذي متى ما استوعبه العاملون لله امتلكوا الوعي اللازم للتحرك العملي، إلى جانب القدرة على اكتساب النظرة الشاملة لكل ما يحيط بهم من أمور، والتي تمكنهم من إعطاء كل أمر أياً كان حقه من الاهتمام والجد والإدراك، فلا يغفلون عن أشياء، بدعوى التفرغ لشيء بعينه، ولا يفرطون بالقضايا المصيرية، بالمراوحة عند القضايا الصغيرة والهامشية، وكل ما لا يشكل خطراً آنياً، وتهديداً طارئاً فيما لو بقي على حاله، بعض الوقت، ولكن شريطة العمل على إبقاء العيون مفتوحة عليه، تراقب كل حركاته وسكناته، وإبقاء العقول حاضرة بإزائه، تدرس الأسباب والعلل التي تقف وراء تكونه، وتحاصر العوامل التي تمنحه المزيد من القوة على التوسع والتمدد والشمول والانتشار، لكي لا يصبح كارثة تسحق الواقع برمته، وذاك هو التوازن بعينه، الذي لطالما حرص سيد الثورة على تأكيد أهمية الاستناد إليه، وتمثل معانيه لدى كل مَن يرى نفسه في موقع المسؤولية، ويدرك أنه معني بالقيام بدور ما، كفرد مكلف من الله، تجاه أمته ودينه ومجتمعه والمظلومين من بني الإنسان أينما حلوا، وكم هنالك من مبادئ تربوية قدمها سيد الثورة في معظم المحاضرات والدروس والندوات! ولكن قلة الاهتمام، والقصور في فهمها، كانا هما العاملين اللذين حجبا تلك المبادئ عن إحداث نقلة نوعية في نفسية العامل، وميدان العمل والحركة، وليت الأمر في كثير من الأشياء التي يقدمها السيد العلم، يقف عند هذا الحد! إذ سنجد أن القصور في الفهم، والعجز عن التفهم، لدى بعض العاملين في مواقع القرار، ورسم السياسات العامة، إلى جانب ضعف معرفتهم بواقع الناس، واحتجابهم عنهم، قد أدت هذه الأمور مجتمعة إلى توظيف بعض ما يطرحه سيد الثورة، توظيفاً خاطئاً، فيفرغه من محتواه، ويحرم المجتمع من آثاره الإيجابية، وبالتالي يصبح موردا للسلبيات، وعامل نفور ورفض من قبل العامة للمشروع القرآني برمته، لأنهم لم يعرفوه إلا عن طريق بعض الذين يهدمون، ويهدون، في الوقت الذي يظنون أنهم يبنون، ويشيدون، ويخدمون.
إنك وأنت تقف في حضرة علم الهدى مستمعاً، تشعر أنك فعلاً أمام نهرٍ متدفقٍ بكل ما من شأنه أن يمكنك من معرفة الإسلام بمفهومه الأصيل، ومنظومته الشاملة لكل شيء في الوجود، كما أن هذه المعرفة ستحفزك على السعي لترجمة مضامينها من واقع الالتزام السلوكي والعملي، وليس هذا فحسب، بل إنك واجدٌ في ذلك العطاء الجم من فم البدر العلوي، والنهر الحسيني، ديناً إلهياً بكل معنا الكلمة، إذ تشعر أن القائد يعيش معك، يحمل همك، يعالج قضاياك ومشكلاتك، وهذا هو البعد الذي تستشف من خلاله أنك في حضرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وإن لم يكن موجوداً كذات، فقد حضر كخلق وروحية وعمل، وذلك من خلال عقبه وامتداده، المتمثل بالذرية المطهرة، وهكذا تعي: أنك في رحاب قائد محمدي، لا نسباً فحسب، بل نسباً ورسالية، وهذا الأخير هو الأسمى والأهم من الأول، من واقع ما قرره الإمام علي عليه السلام في أكثر من خطبة.
وفي الأخير، لن يكون محمدياً علوياً حسينياً إلا من وجدت أثر ما يحمله من نهج، ولمست طبيعة علاقته وعبوديته وتقواه بالله ولله، منعكسةً على علاقته بالناس، واهتمامه بمختلف شؤون حياتهم، فقط لا غير، وما عداه فليس بمسلم، ولا متشيع، ولا علاقة له بالله الواحد، مهما أزبد، وأرعد.
* نقلا عن : لا ميديا