لكي تؤتي الثورة الحسينية أكلها في كل المجالات، علينا التعرف على طبيعة المجتمع الإسلامي، من خلال دراسة وبحث كل المراحل العصيبة التي مر بها ذلك المجتمع المسلم، وصولاً إلى مرحلة الثورة الحسينية الخالدة، والتي لم تكن إلا استجابة طبيعية لما بلغ به حال الأمة، وعاشته من ظروف عصيبة، لدرجة أنها لم تعد ترى شيئاً يعبر عن مبادئ الإسلام، الأمر الذي آلَ بها إلى تقبل الخنوع والذل، والتسليم والرضا بوضعيتها البائسة، حتى لم يعد يعنيها مَن هو الجدير بولاية أمرها، الذي ليس لها سوى التعاطي معه بشكل إيجابي، ولو كان يزيد بن معاوية، هو حاكمها، برغم تحلله من كل القيم، وبعده الشاسع عن خط الرسالة المحمدية الخاتمة، فالمهم لديها هو سلامة دنياها، وإن كان تولي يزيد سبباً لضياع دينها واندثار جميع قلاعه ومعالمه.
وماذا يمكن لمَن يرغب بالإصلاح والتغيير في هذه الأمة أن يصنع، لاسيما والكلمة والنصيحة لم يعد لهما أدنى فاعلية أو تأثير؟ وإذن فلا بد من الشهادة والتضحية، فبالدماء وحدها تستيقظ الضمائر، وتصحو العقول والقلوب، وتعود الخطوات عن درب الانحراف. لهذا كان عاشوراء.
ولعل أبرز ما يمكن الانطلاقة منه لبيان الواقع المخزي الذي حكم كل ميادين الحياة، وأدخل الأمة في خانة الوضعية السيئة هو: العمل على استظهار المشهد من خلال عدة صور، وباختصار ولعل أولى تلك الصور هي:
العمل على تغيير المسار، وتدعيم الانحراف، وذلك ما تم وضع بذرته الأولى مبكراً، منذ وفاة النبي الكريم صلى الله عليه وآله، وسلم، بحيث انقسمت إلى فريقين: فريقٌ يرى النص هو السبيل المتبع في بيان وتحديد مَن يلي الأمر، وفريقٌ يرى المسألة خاضعة للشورى ولا علاقة لها بالنص الشرعي، من هنا كانت السقيفة، وما نتج عنها من تنصيب لخليفة بعيد عن البيت النبوي الذي تم إقصاؤه، ونحن إذا نظرنا إلى القضية بتجرد، وبعيدا عن الطابع المذهبي، فإننا سنكتشف أن السقيفة هي أحد الأسباب التي أدت إلى ذلك الانحراف، والتحريف لأحكام الشريعة، ولو لم تظهر نتائجها السلبية بشكل جلي إلا في النصف الثاني من زمن حكم الخليفة الثالث.
وأما الصورة الثانية فهي: عودة النزعة الجاهلية إلى الواجهة من جديد، إلى الحد الذي جعل الخليفة الثاني يفضل قوماً على قوم في العطاء من بيت المال، وذلك ما انتهجه منذ سنة عشرين للهجرة، فكان يفضل السابقين على غيرهم، ويفضل المهاجر على الأنصاري، ويفضل بعض الأنصار على البعض الآخر، وفضل العربي على الأعجمي، والصريح على المولى، وقد سبق أن أشار على الخليفة الأول بذلك، لكنه لم يقبل. ولا يخفى على ذي لب ما نتج عن هذا التفضيل من تبعات سلبية، في مقدمتها تكوين طبقية في المجتمع، ثم إذكاء الصراع القبلي والشعوبي في بنية الكيان المسلم برمته.
* نقلا عن : لا ميديا