لقد نتج عن سياسة القهر والاستغلال الأموي زمن الخليفة الثالث، وكذلك الممارسات الكثيرة لطرق وأساليب التنكيل بأفاضل الصحابة اكتمال حلقات الثورة على عثمان من كل جانب، فاندلعتْ أول الثورات الشعبية الجماهيرية في تاريخ الإسلام، ثورة يتقدم صفوف رجالاتها وجوهٌ من كبار الصحابة، وقراء القرآن، وخيار التابعين، ولم يكن أحد من المهاجرين والأنصار يقف إلى جانب النظام الحاكم، باستثناء زيد بن ثابت، وأبي أسيد الساعدي، وكعب بن مالك، وحسان بن ثابت، وقد كانت رغبة الأمة الثائرة أن تعالج الاختلالات والفساد والظلم وكل المظاهر المخالفة للدين بطرق سلمية، فاجتمع الثوار عند الإمام علي عليه السلام، باعتباره طرفا ثالثا، وكلموه بما يريدون من عثمان، فذهب الإمام عليه السلام، إلى عثمان، وقال له: الناس ورائي وقد كلموني فيك.
لكن الخليفة لم يصغ لنصيحة الإمام علي عليه السلام، والتي لو أخذ بها لواجه تلك الانتفاضة الثورية بوعي، ولكانت المخرج الوحيد له من واقع الضعف والسيطرة من آل الحكم وآل أبي سفيان، ولاكتسب بذلك الحكمة التي تدفعه لتحقيق العدالة كمطلب لجميع الثوار، لن يتنازلوا عنه تحت أي ظرف من الظروف، وهكذا استمر الخليفة بالتعالي على الجماهير، وعدم الاستجابة لمطالبهم، والتوجه لقمع الثورة بكل الوسائل، فجمع ولاته، واستشارهم بما يجب فعله في قمع المجتمع الثائر، وانتهى اللقاء بينه وبينهم، بعد أن اتفقوا على العمل بناء على رأي عبدالله بن عامر، وهو: السعي لفتح جبهات قتال خارجية، فيأمر الخليفة الناس حينها بالجهاد، وبذلك سينشغل الجميع عن عثمان وولاته، الذي سيجمرهم بالمغازي حتى يذلوا له، بحسب تعبير ابن عامر فلا يكون هم الواحد منهم إلا نفسه، وما هو فيه من دبر دابته وقمل فروه!
وهكذا صار عثمان أكثر تمسكاً بعماله وولاته، الذين ثبتهم على ما هم عليه، بعد أن أمرهم بالتضييق على مَن قِبَلهم، وتجمير الناس في البعوث، وحرمانهم من العطاء، كل ذلك لكي يطيعوه تحت تأثير الفقر وضغط الحاجة، ويتقبلوا فساد وظلم ولاته وعماله، فازدادت الأمور تعقيداً، وانتفض الشارع، لتنتهي الأحداث بقتل الخليفة، بتلك الصورة المحزنة، وما أجمل وأدق تعبير الإمام علي عليه السلام، في وصف هذا الحدث إذ يقول: استأثر فأساء الأثرة، وجزعتم فأسأتم الجزع، ولله حكمٌ واقعٌ في المستأثر والجازع.
* نقلا عن : لا ميديا