لقد مَنَّ الله سبحانه علينا بالشهيد القائد حسين العصر رضوان الله عليه، الذي أوجد من القرآن الكريم المحتوى الرسالي التأسيسي الأصيل لجميع رؤانا ومنطلقاتنا الجهادية الثورية في سبيل الله والناس، وشرفنا بالقائد الرباني المجاهد السيد أبو جبريل حفظه الله ورعاه، كامتداد طبيعي لذات الروحية والوجهة والهدف التي جسدها مجتمعةً سلفه حسين الجرف، عليه السلام والرحمة، ولذلك فسيد الثورة لا يترك مناسبة أو حدثا أو مرحلة أو مقاما إلا وانطلق لتذكيرنا بالأسس التي قام عليها المشروع التحرري الرسالي الذي ننتمي إليه، وإرشادنا إلى الطرق والأساليب والكيفيات التي من شأنها أن تمكننا من صياغة أهدافنا الحركية لكل مرحلة من المراحل الزمنية التي نعيشها بالمستوى الذي يجعلها مليئة بالمضامين المعبرة عن الأصل، المؤكدة للجميع بما لا يحتمل ذرة من الشك؛ أن هذا المشروع القرآني هو الحل في زمن اللاحل، والمنظومة القادرة على إخراج الأمة من واديها السحيق، ومراحل تشرذمها المظلمة، وعهود مذلتها وضعفها وتبعيتها واستلابها السود.
ولكنا بُلينا بعلماء وفقهاء جاؤوا من خارج المسيرة، لهم ثقافتهم ورؤاهم الفكرية والدينية المستقلة، الخالية من المشروع القرآني، المعبرة عن التزام مذهب فقهي معين، والساعية لجعل الواقع صورة طبق الأصل لمذهبها وطريقة تفكيرها ومفهومها الأصولي للكون والحياة والإنسان، ونظرتها للحاضر والمستقبل، مع التزامها ببعض المضامين الشكلية التي توحي للمجتمع بأن نظرتها قرآنية، وتحركاتها معبرة عن المسيرة شكلاً ومضموناً، من هنا نعرف لماذا بقي حراك كل هؤلاء مجرد حراك كمي لا أثر له في الواقع، وإن كان معظم هؤلاء العلماء والفقهاء يمتلكون عقولاً وقادة بالأفكار، ولديهم عزم قوي وإرادة فذة، وحيوية من النشاط والقدرة على العطاء؟ لأن كل طاقاتهم تلك تبقى طاقات مهدورة وعارية عن الأصل الذي بموجبه تكتسب أطروحاتهم وتنظيراتهم القدرة الخلاقة على الفعل والتأثير الإيجابي في النفوس والواقع، لذلك لا قيمة لقدرتها الخلاقة على إنتاج الأفكار، كون كل ما تقدمه لا يخضع لمبضع الأناة والتروي والتهذيب والتشذيب والتقريب من الواقع والفهم لمشكلاته وحاجاته وطبيعة العصر الذي نحن فيه، من هنا وجدنا أن معظم ما جاد به هؤلاء من أفكار قد أسهمت بتعقيد كل المشكلات، وعززت السلبيات، وسيجت على العقول بسياج التحجر والانغلاق، وعملت على مضاعفة الشعور باليأس والإحباط لدى الثوار من إمكانية تجاوز تحديات ومخاطر وسقطات وهفوات ومزالق الراهن، إذ لطالما خلطوا الحق بالباطل، والغث بالسمين، الأمر الذي يدفع الخلص من الأوفياء للمسيرة والثورة إلى غربلة كل نتاج وقرارات أولئك بأدوات أصيلة وواضحة تدمج بين النص والعقل، على ضوء المنهجية القرآنية وسيرة ومسيرة أهل البيت بوعي وإتقان، حتى يكون الجانب العملي وواقع المجتمع مثالا لعظمة وقدسية وعمق وسعة وامتداد القرآن الكريم وفاعليته المنتجة البديعة.
كما بلينا إلى جانب البلوى السابقة بفئة من العاملين والمتصدين لحمل المسؤولية بكل مناحيها لا تملك القدرة على الفعل، وتفتقر إلى المهارة التي تعينها على التنفيذ لكل ما يتطلبه وجودها وموقعها ودورها الوظيفي، وإذا ما وُجِدَ من بين هذه الفئة مَن لديه شيء من النشاط والمهارة على الفعل، فإنهم يفتقرون إلى خطة منهجية مبنية على أسس وأهداف رسالية واضحة، لذلك وجدنا أعمالهم لا تحقق تغييراً ملموسا وحقيقيا، باستثناء بعض الانفراجات الآنية للأوضاع التي سرعان ما تتلاشى، لتطبع جميع ما يقومون به بطابع التغير اللحظي المرحلي لاسيما في حقول ومتطلبات المجتمع والسياسة.
وهكذا بقي واقعنا الاجتماعي والصحي والعلمي والإعلامي والثقافي طوال هذه المدة يدور في مدار وطواحين الفراغ.
* نقلا عن : لا ميديا