لقد جاءت ثورة الإمام الحسين عليه السلام في زمن تدهور وانهيار كلي للأوضاع الاجتماعية والفردية على المستوى العقدي والأخلاقي والفكري وحتى الفقهي، إلى الحد الذي بات ينذر بخطر كبير، وهو التهديد الوجودي للإسلام الحقيقي الأصيل في ذهنية الناس والمجتمعات؛ نتيجة التراكمات الخاطئة للفهم أو التزوير الذي طال جوانب عديدة في هذا الصرح العظيم حتى تواكل الناس باسم الدين واستعبدوا لغير الله باسمه أيضا، ومن أبرز معالم وسمات المجتمع في تلك الفترة هو التالي:
1. تغلغل الروح القبلية والتعصب القبلي والعرقي بين صفوف المسلمين.
2. بروز الفوارق الاجتماعية مما عزز من وجود فوارق طبقية كان منشؤها التمييز بين المسلمين في توزيع الحقوق الشرعية من بيت مال المسلمين على أساس مدى القرب والولاء من الحاكم الأموي.
3. انتشار الرشوة وشراء الذمم.
4. ثقافة التخويف والقتل والتعذيب والقمع للمزيد من تمكين الحاكم الأموي مما حدا بالمجتمع إلى إيثار الحياة بذل وهوان حفاظا على مكتسبات دنيوية بسيطة وقليلة على الموت بكرامة وبالتالي أصبح المجتمع طيعا وقابلا لكل ما يفرض عليه دون أدنى استنكار وإنكار وهو ما أثر على منهاجية فهم السلوك الإسلامي.
5. وما عزز من النقطة السابقة هو التخدير الديني الذي تجلى بشراء ذمم فقهاء عرفوا باسم فقهاء البلاط الذين لم يتوانوا أمام قرقعة الدنانير الذهبية عن الكذب على لسان رسول الله والدس والتزوير في الدين الإسلامي من أجل تمكين الحاكم الأموي من التحكم بالعباد. وهذا التخدير عزز استسلام المجتمع للحاكم ظنا منه أنه يتقرب إلى الله تعالى بذلك.
6. انهيار الروح المقدامة الثورية المضحية لأجل الدين واستسلام المجتمع لأقل مقومات العيش وبدون كرامة، حيث بات المسلم لا يهتم إلا بدائرة حياته الشخصية.
7. ظهور مدارس فكرية متعددة ومتناحرة عززت من تسلط الحاكم وقدمت نظرياتها وانشغل علماء الأمة بالتهافت للرد على بعضهم البعض لإشغال الناس في أمور هامشية، وتوجيههم نحو الاهتمام بكل ما يمنعهم من الالتفات لإصلاح واقعهم.
ومن هنا انطلق الحسين عليه السلام من أجل التغيير في نباهة المجتمع والارتقاء به من ذل عبودية الحاكم وسلطته التي غيرت معالم الطريق في ذهنية المسلمين نتيجة الأفهام الخاطئة المتراكمة للدين والدس والتزوير في معطياته الفكرية والعقدية إلى عز عبودية الله تعالى والارتقاء بهم إلى مرحلة الرفض ونفي الشريك لله بكافة مصاديقه والتي جاءت بها رسالة الأنبياء كافة وهي لا إله إلا الله وهي لا النافية والرافضة لأي شريك مع الله تعالى وأي إله غيره، وهي لا الرافضة لأي فرعون أعلن في الناس قائلاً: «أنا ربكم الأعلى».
إذن من أهم مقاصد الحراك الحسيني هو التغيير والارتقاء بنباهة المجتمع ورفض عبودية غير الله والنهوض بإنسانية الإنسان.
هذا التغيير على مستوى الفرد ومستوى المجتمع هو الحركة الإصلاحية في أمة جد الحسين عليه السلام، وما أراده الحسين عليه السلام من هذا التغيير هو أن يرتقي بمستوى الشعور بالمسؤولية لدى الفرد المسلم لكي يستطيع أن يعي ويستكشف لحظاته التاريخية وواقعه المجتمعي ويستشعر الخطر فينهض في الوقت المناسب ويمنع أي استعباد لغير الله حتى لو بذل في ذلك دمه في سبيل الله ونفسه وكل ما يملك فهو رخيص في سبيل هذه الأهداف.
وهي رسالة عظيمة جدا في كل زمان ومكان بل هي هدف كل الحراك النبوي والرسولي على مر التاريخ الإنساني، وهو ألا يتخذ بعضنا بعضا أرباباً من دون الله.