الإقبال الكبير على المراكز الصيفية هذا العام، يجب أن يقابله القائمون على تلك المراكز بالعزم والعمل على تقديم ما يحتاجه الناشئة والشباب من علوم ومعارف تخلصهم من رواسب الثقافات الهدامة، التي كان لها الإسهام البالغ في تراجع المسلمين في كل المجالات، إذ جمدت العقول، وقتلت الإبداع، وحدت النظرة، وضيقت الأفق، وفرضت إسلامات كثيرة بدلاً عن الإسلام الواحد، وبات الإنسان المسلم لا يرى الدين إلا في حدود المساحة التي يتواجد عليها أبناء مذهبه أو طائفته، إلى جانب اعتقاد أتباع كل مذهب بأن ما يصدر عن رموزه ويتبناه علماؤه ودعاته هو الحق، وإن كان مخالفاً للقرآن الكريم، وأن ما عدا تلك الآراء هو الباطل وإن كان موافقاً للقرآن ومجسداً لمفاهيمه.
إن ما نحتاجه اليوم هو العودة إلى الله سبحانه وتعالى، من خلال العودة إلى القرآن الكريم، عودةً صادقةً لا تحتكم لأطر مذهبية، ولا تقدم على قول الله عز وجل، قول عالم أو مرجع مهما علت مكانته وذاع صيته وكثر مريدوه وأتباعه، وعندها فقط سنتمكن من الخروج من دائرة الفراغ التي أضاعت جهودنا، وحكمت علينا بالضياع وانعدام الوزن والافتقار إلى أبسط مقومات امتلاك القدرة على النهوض لقرون من الزمن، كما أن بالقرآن سيبصر هذا الجيل طريقه، فيتحرك بخطوات ثابتة زادها الوعي وسلاحها الإيمان والبصيرة، ليستدل بهذه العوامل على أعلام القرآن ومعالمه، فتتم له الهداية والاستقامة، ويتحقق له الصلاح والخير نفسياً وفكرياً وعملياً.
كما أن على العاملين على هذه المراكز أن يدركوا حجم الأمانة الملقاة على عواتقهم، ليتمكنوا من القيام بمسؤوليتهم تجاهها كما يجب، فها هو اليمن يلقي إليكم بفلذات أكباده، وحملة راية المستقبل، فاحرصوا على تعليمهم الغايات الكبرى التي اشتمل عليها كتاب ربهم، وضربت عنها صفحاً المصادر الحديثية، والمؤلفات الفقهية، علموهم كيف يجب أن يقوموا بدورهم كشهداء لله، لا يخافون في الحق لومة لائم، ولا يقبلون بالظلم، ولا يرضون التعايش مع الباطل والشر والبغي والفساد، علموهم كيف يكونون عباداً لله لكي يتحرروا من الوقوع في أسر العبودية للطاغوت بكل معانيه وأشكاله، افتحوا أنظارهم على مختلف القضايا التاريخية ليتمكنوا من امتلاك المعرفة بكل الرموز والشخصيات والحوادث المختلفة بسلبياتها وإيجابياتها، حتى لا يكونوا عرضة لتضليل المضللين وتجهيل الجاهلين.
وإذا ما أردتم تعريفهم بأعلام الهدى فلا تكتفوا بسرد المناقب والفضائل لأولئك العظماء، وإنما يجب أن تعملوا على عرض سيرهم وأقوالهم ليتعرفوا على منهجيتهم في الحياة، فيحملوا روحيتهم وعلومهم ومعارفهم، ويكونوا في واقعهم وحركتهم الامتداد الطبيعي لأولياء الله وأمنائه على حمل هذا الدين وتبليغ رسالته للناس كافة.
* نقلا عن : لا ميديا