لن نتمكن من تحقيق نهضة فكرية وعلمية وثقافية وفنية إلا إذا استطعنا التخلص من تبعات وآثار الممارسات السلبية، والأعمال الهدامة، لأنظمة ومنظومات وتنظيمات الوصاية والعمالة والتبعية بكل أنواعها وأشكالها، ثم نعمل كذلك على بناء الأفراد والمؤسسات بناءً قوياً وشاملاً ومتجدداً، بناءً قائماً على الثوابت الإيمانية، ومتمثلاً لمعاني الانتماء للدين والشعب والأمة، إلى الحد الذي نصبح نرى فيه كل كلمةٍ تُكتب، وكل فعاليةٍ تُقام، وكل لوحة فنية أو عمل درامي أو قصيدة شعرية، أو حتى زامل، شكلاً من أشكال التعبير عنا وعن واقعنا، حاملاً لهمومنا وتطلعاتنا، قادراً على مناقشة جميع قضايانا بكل صدقٍ وأمانة ومهنية، لديه من مقومات الحس ومقتضيات الإبداع ما يجعله حاضراً في كل ميدان، يدرس جميع الظواهر السلبية كي يتمكن من الحد منها، ويقف على كل المظاهر الإيجابية مؤكداً عظمتها، وداعياً إلى التمسك بها وساعياً لتعميمها في الوسط المجتمعي كله، يناقش المشاكل بجرأة، ويقدم المعالجات والحلول بوعي ومسؤولية.
وهذا لعمري بعيد المنال حالياً بالنسبة لمؤسساتنا الثقافية والإعلامية والعلمية والفكرية الرسمية؛ إلا أنه ممكن الوصول إليه من قبل تلك المؤسسات ذاتها؛ ولكن بشرط أن تتخلص من كل المعوقات التي حدت نشاطها، وحجمت دورها، وأبدتها بصورةٍ هشة وضعيفة، إلى المستوى الذي يثير الاشمئزاز والسخرية لدى بعض المتابعين لما تقدمه تلك المؤسسات، ويثير الشفقة لدى البعض الآخر. ولعل أبرز تلك المعوقات:
أولاً: اختيار القائمين عليها بناءً على ما تستوجبه العلاقات الشخصية، من صداقةٍ، وقرابةٍ قائمةٍ على أساس النسب أو المصاهرة أو المنطقة، من دون أدنى مراعاة لمستوى قدراتهم العلمية والفكرية والعملية التي ستمكنهم من القيام بمهامهم على أكمل وجه، بل هنالك مَن يفتقرون حتى لأبسط مقومات القدرة على امتلاك القابلية لبناء قدراتهم في المجال الذي وجدوا أنفسهم فيه دون سابق إنذار، ومع هذا يظلون في مواقعهم التي ليسوا أهلاً لها، مع وجود القدرات والكفاءات التي لا غبار عليها، لكن المانع من تعيينها هنا أو هناك أنها لم تكن مقربة من هذا المسؤول أو ذاك، ولم تحصل على الميزات التي حظي بها الفاشلون، التي سبق بيانها أعلاه.
ثانياً: وجود المعقدين والصداميين والمنعزلين عن الواقع والناس على رأس تلك المؤسسات، الأمر الذي جعلنا نلمس أن معظم ما تقدمه أو بعبارة أوضح وأدق معظم ما تقدمه تلك الشخصيات عبر تلك المؤسسات بعيداً كل البعد عن واقعنا وأسلافنا وعاداتنا وتقاليدنا وماضينا وحاضرنا، ولا يحتوي بين طياته أي معنى من معاني ثورتنا ونهجنا وخطنا، وبالتالي يصبح ضرباً من العبث والضياع للوقت والجهد والمال، وعاملاً من عوامل الحط من قدرنا، وتشويه مجتمعنا وقيمنا.
* نقلا عن : لا ميديا