يجد الناظر في كتاب الله العزيز، والمتتبع لسيرة ومسيرة نبي الرحمة محمد صلوات الله عليه وعلى آله وسلامه، وكذلك لحركة قرناء القرآن من بعده، الكثير من النصوص التشريعية والتوجيهات التربوية، التي تحث على ضرورة إدخال مبدأ التنمية المستدامة في التركيبة النفسية والوجدانية للفرد والمجتمع، عن طريق التربية الدينية والبناء الإيماني، لكي يصبح التحرك العملي والنشاط السلوكي مقاماً لتجسيد المعتقدات والقناعات في عالم الحس والمشاهدة، كما تعيش في كوامن النفس وتنبض بها خلجات القلب وتسري في كل ومضةٍ من إحساس ودفقةٍ من شعور، سواءً بسواء، ومن دون زيادة أو نقصان، فكلنا يقرأ قول رب العزة جل ذكره: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة». وقوله: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون». وقوله: «فاسعوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور». وقوله تبارك اسمه: «وقل رب زدني علماً». وغيرها الكثير من الآيات الكريمة التي تأمر المسلمين بالسعي الحثيث المبني على الوعي بالكيفية العملية المنتجة للقوة المُحتاج إليها الواقع المهدد بالأخطار، والمعرض لمواجهة أكثر من تحدٍ على مستوى الحال والاستقبال، ولم تعد القوة محصورة في المجال العسكري ومتعلقاته، إذ تطور مفهوم الحروب واتسعت دوائر المواجهة، وبات من اللازم التحرك لإيجاد القوة الاقتصادية والعلمية والاجتماعية والسياسية والتربوية والثقافية والإعلامية والفنية والأدبية والصحية، فكل ما له علاقة بحياتنا هو ساحة حرب وميدان مواجهة، وتغافلنا عن هكذا حقيقة سيكلفنا الكثير، ولربما لا سمح الله تأتينا الهزيمة الشاملة في الوقت الذي نعتقد أننا قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى تحقيق النصر العظيم.
وعليه لزم التنبيه ومن خلال ما تقرره ثقافة الإسلام المحمدي الأصيل، على ضرورة السعي للبحث عن كل ما يسهم في تعزيز الوجود للروحية المنطلقة في ميدان كل عمل فيه صلاح لواقع الناس، ويعود بالخير عليهم، بدءاً بالحرص على التجديد في الأساليب المتبعة للقيام بأي عمل، مروراً بمسألة المواكبة لحركة الحياة بالمزيد من البحث عن الطاقات المنتجة، واستيعاب القدرات الخلاقة والعقول المبدعة، القادرة على أن ترتقي بالمجتمع إلى مصاف المجتمعات الأكثر تقدماً ونماءً، وصولاً إلى المرحلة التي يتم وفقها الخروج من دائرة الجمود، والتعاطي السلبي مع الأحداث ومتطلبات الحياة، وحالة الروتين الممل، التي لها في كل ناحية الكثير من الضحايا، فهناك من يعيش الاعتداد بمكانته العلمية والاجتماعية أو غيرهما من دون أن يفكر بتطوير خبراته وتوسيع معارفه وتنمية مداركه، وإنما يتلبسه الغرور ويعمي عينيه عن كل ما يجب فعله، وهناك مَن يتحرك في مجال وظيفته العامة التي تتصل بجانب خدمة الناس بتلك النفسية وذلك الأسلوب الذي لا تجد فيه أدنى ملامح التغير عن ما كان عليه الحال لديه قبل سنوات من اليوم، وهناك من يظل مستريحاً لما تم إنجازه في فترات سابقة، جاعلاً له حجر الزاوية التي لا شيء بعدها، متجاهلاً كل الأمور والقضايا التي تستجد في كل يوم ولا يكلف نفسه القيام بفعل شيء مهما كان ذلك ضرورياً في الحد من خطر قد يتسبب بالهدم لكل المكتسبات على رؤوس الجميع.
* نقلا عن : لا ميديا