أنشطة التقويض لكل معالم ظهور الحق كواقع انطبعت به الأرواح، وتمثلته الأفكار، وقامت عليه التحركات والمواقف، تزداد قوةً وتمدداً كلما تراكمت الإنجازات الجهادية، وتصاعدت نجاحات الثورة الشعبية المباركة في مجالات صنع مقومات القوة التي سيتم بموجبها تحقيق التغيير لجميع المعادلات في ساحة الصراع بين ثورتنا وقوى الاستكبار الصهيوني العالمية وأدواتها العميلة من منافقين وأعراب، وللأسف فإن أخطر تلك الأنشطة الهدامة هو: النشاط التوعوي والتعبوي الذي يتحرك باسم الثورة عن طريق شخصيات محسوبة ضمن مثقفيها وإعلامييها وناشطيها، ولكنه تحركٌ جافٌ على الأغلب، ليس فيه سمات التأثر بالقادة الأعلام عليهم من الله الرحمة والرضوان، ولا صلة لمَن يقومون بذلك النشاط بالمنهاج وفق ما تحمله كلمة الصلة من معانٍ ودلالات، وليس لديهم القابلية لاستيعاب كل ما تقدمه ميادين الجهاد والتضحية من دروس وعبر، ومفاهيم تربوية، وتجارب عملية على صدق التوجه وعدالة القضية وسلامة المعتقد وأصالة الانتماء ونبل الغاية وسمو الهدف، ولأنهم فقدوا قابلية الاستيعاب لكل معطيات تلك المدرسة الإيمانية فسيبقون بعيدين عن كل تلك القيم، محشورين في زاوية التكرار لما لا طائل منه، منقادين لما يلبي رغباتهم ويعبر عن المزاج الشخصي ولا شيء آخر.
ومن الجدير ذكره هنا أننا لا نعني بهذا الطرح الحكم على كل الجهود المبذولة بالفشل، كما لا نهدف أبداً إلى تسقيط كل العاملين في الحقل التوعوي والتعبوي، فهناك جهود عظيمة، وشخصيات فاعلة، وإن ما نقصده من إثارة هذا الحديث هو نشاط الشخصيات التي بلغت من الشهرة الحد الذي جعلها تحظى بالقبول والاحترام لدى الكثير من جماهير الثورة ومحبيها، ولاسيما أولئك الذين وصلوا إلى المستوى الذي جعلهم يقدمون أنفسهم كآباء للثقافة والمنهجية والفكر القرآني، وبالتالي فمن يتلقى عنهم هو ذلك الخاضع لما تضفيه عليهم صفة الأبوية هذه من هالة قدسية وتعطيهم من مكانة اجتماعية وفكرية، تجعل مجرد الدخول معهم في نقاش حول موضوعٍ ما جريمة وقلة أدب، وبابا قد ينفتح على أكثر من احتمال في مجال التصنيف للناس إلى فئات كثيرة، ما بين مدسوسين وخونة ومنافقين ومؤمنين وغيرها.
وهكذا يصبح المتلقي لما يثيرونه من أفكار ويثيرونه من قضايا مطالباً بإلغاء عقله وكيانه، ليجد نفسه مجرد وسيلة نقل لكل ما يتلقاه بلا زيادة ولا نقصان، مع ما تحمله تلك الأطروحات الأبوية من قصور وفظاظة وبدائية وضيق أفق وعزلة عن الواقع وجهل بالمستجدات.
ولقد تابعت جميع ما يتحدث به أو يقوم بكتابته أحد هذه الشخصيات الأبوية الثقافية لمدة ثلاثة أشهر متواصلة، فوجدت 95% من طرحه ذا بعد منفر، لما يحمله من أسلوب فظ، ويستعمله في سياق طرحه من كلمات نابية وألفاظ سوقية، وعبارات توحي بقلة الحياء، فهو عندما يتحدث عن العدوان وأدواته لن تراه يستعمل مصطلحات كالإباحي والديوث وعديم الشرف وغيرها.. ولكن هذه المصطلحات ونظيراتها حاضرة وبقوة في كل مواجهاته مع من هم معه في ذات المسار والتوجه.
* نقلا عن : لا ميديا