فـي كل قضيةٍ نعيشها أو حدثٍ يمر بنا الكثير من العوامل التي تمكننا من معرفة أنفسنا على حقيقتها، وخصوصاً تلك الأحداث والقضايا التي يُعدُّ وجودها بمثابة امتحان عملي لنا، إذ لا يمكن لأي فردٍ أن يمر عليها مرور الكرام، طالما ظل يعيش حرارة الانتماء لدين وأمة وأرض، ويدرك ما معنى أن يكون حاملاً لمشروع ومدافعاً عن قضية عادلة، ومعنياً بحماية ثورةٍ ومدركاً لضرورة السعي المستمر حتى تحقيق جميع أهدافها، إذ إن جميعنا، ولاسيما الكتاب والإعلاميين والمثقفين والعلماء، يدعي بأن هذه الأمور من المسلمات لديه، والتي لا مجال للتساهل مع كل ما يحاول النيل منها، كما يستحيل التنازل عنها أو القبول بأن نساوم عليها، ولكن لا بد لهذا الادعاء من أن ينتقل من مرحلة الإقرار البياني إلى مرحلة التجسيد العملي، وهنا يأتي دور القضايا والأحداث، التي تضعنا وجهاً لوجه مع الواقع الذي يصبح هو المرآة التي نكتشف من خلالها مدى القرب أو البعد بين ما نعتقده ونتمثله في قرارات أنفسنا وبين ما ندعيه من الحقيقة التي يعبر عنها مشروعنا القائم وفق هدى الله، وبكلمة أخرى هل فعلاً استطعنا صياغة أفكارنا وبناء ردات فعلنا، وإيجاد محددات لنظرتنا إلى الأشياء وحكمنا عليها وفق ما يقرره القرآن الكريم؟ أم أننا لانزال نعيش الازدواجية؟ إذ بإمكاننا في حالة انعدام الإشكالات والاهتزازات والأخطاء في العمل والممارسة لأداء المسؤولية، أن نعيش العلاقة مع المنهاج التي نصل من خلالها حد التماهي معه والذوبان فيه، ولكن متى ما وُجدت الاختلالات والأخطاء والتجاوزات، وشعرنا بوجود عيون تتربص بنا وأياد تعمل على استهدافنا، انسلخنا عن المشروع وحاولنا توظيف بعض مفرداته لتبرير كل السلبيات ومظاهر الفشل لبعض الشخصيات، وتردي الخدمات؟
لقد بلغ الأمر لدى البعض حداً لا يمكن السكوت عليه، إذ ظن هذا البعض أن معنى أن يتصدى للحرب الناعمة يكمن في القذف للنساء عموماً، وتصوير واقعنا على أنه بات غارقا في الرذيلة والفساد الأخلاقي، وأن مجتمعنا في وضعية انحلال تام وتجرد شامل من القيم والمبادئ، حتى وصل الأمر إلى تقديم هذه الصورة من خلال المسلسلات، كما هو واضح في مسلسل «باقة ورد».
إن معاناتنا اليوم تكمن في وجود نسخة مكررة للخوارج، الذين يبذلون قصارى جهدهم في الاهتمام بمظاهر التدين الشكلي، فقد يقيم الدنيا ويقعدها على اختلاف لون عباءة المرأة، أو سماع عزف بالعود، ولكنه لن يحرك ساكناً في مسألة مواجهة الفساد والرشوة والظلم، واحتكار السلع والتعاملات الربوية، وشهادة الزور ومضاعفة الجبايات على المواطن من قبل الدولة.
* نقلا عن : لا ميديا