لماذا تركز جل نشاط الشهيد القائد رضوان الله عليه، إبان انطلاقته لاستنهاض الأمة من سباتها العميق والطويل، في الوقت الذي تحيط بها الأخطار من كل جانب، على البدء من ترسيخ معرفة الله سبحانه وتعالى في عقول وقلوب الجماهير المستهدفة بخطابه التنويري والتعبوي والتثقيفي المعروف بسلسلة دروس من هدي القرآن الكريم؟ إذ يجد المطلع على تراثه الفكري رضوان الله عليه، أنه لم يكتف بإفراد سلسلة خاصة بهذا الموضوع فحسب، بل لا تكاد تخلو كل دروسه من التأكيد عليه، والإبانة لأهميته، والتوسع في معانيه ودلالاته، والتحذير من التغافل عنه، وهو سؤالٌ لطالما ألح عليَ منذ زمن، ولم أجد لدى كل مَن طرحته عليهم من المستنيرين ما يكفي لري ظمأ نفسي الباحثة عما تقتنع به تماماً في هذا الجانب على وجه الخصوص فأدركت مؤخراً: أنه لا سبيل لمعرفة أبعاد ما يقدمه المنطلقون على أساس وحي الله وكلماته من مواضيع إلا بالعودة إلى القرآن الكريم نفسه، ففيه وحده الجواب الشافي على هذا السؤال، إذ سيقودك في رحلة مع أبي الأنبياء وخليل الله إبراهيم عليه السلام، الذي كان أول عملٍ له في طريق إقامته لدين الله، ومحاربته للطاغوت هو: البحث في كل ما يحويه هذا الكون من مخلوقات وظواهر وأسرار، بهدف التوصل إلى المعرفة اليقينية بالله، والتي تنعكس بدورها إلى برنامج عملي لإقامة الحياة بكلها، عنوانه: «إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض». فكان عليه السلام أمةً في الحق والجهاد والوعي والثبات والصبر والاستقامة والتسليم لله، وإماماً للسائرين نحو الله والمكلفين بحمل رسالته إلى عباده حتى اليوم، واستحق لقب أبي الأنبياء بل وكل مَن أسلم وجهه لله، حتى يرث الله الأرض وما عليها.
ولم تختلف الحركة النبوية لرسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، عن حركة نبي الله إبراهيم في ذلك بشيء، ولعل أصدق شاهد في ذلك هو: درجة التحمل لأقسى أنواع العذاب الذي مورس على المسلمين الأوائل بهدف استعادتهم إلى الشرك، فكان شعارهم أبداً هو: أحدٌ أحد، وهكذا كان المثل الأعلى الذي تستند إليه المواقف والأعمال والتوجهات هو الله، فانعكس ذلك على الروحية التي يحملونها، ليحصدوا نتيجة ذلك البناء القائم على البعد الروحي النصر والغلبة على المشركين وغيرهم في مختلف ميادين الصراع بين الحق والباطل، لأن حسابات هذا الصنف العارف بالله في كل ما تقوم به: مبنية على أساس الواجب تجاه دين الله، ومضبوطةٌ بضابط وعد الله ووعيده، وهنا لا مكان للماديات، إذ إن الوسيلة لم تكن هي المعيار الذي تتحدد على ضوئه الغلبة لأعداء الله من عدمها، وإنما الأساس في ذلك هو الدافع للفعل، والمشروعية للحركة، والهدف المراد تحققه بإعداد المستطاع من عوامل القوة.
ولذلك كلما تعززت معرفة الله في النفوس استقامت الحركة، واستنار الفكر، واستطعنا مواجهة كل خلل، ومعالجة كل إشكال، ولن نعدم الوسيلة المساعدة على قيامنا بذلك، أما إذا نسينا الله فإننا سنغفل عن دورنا، ونجهد في البحث عن المبررات لكل مظهر من مظاهر أعمالنا السلبية، وسنظل في تخبط لا نهاية لفصوله، إلى الحد الذي ستضيع معه أنفسنا، فنعيش في تيه وخزي وحسرة ما بقي لنا من عمر، فهلّا استفقنا قبل فوات الأوان؟!
* نقلا عن : لا ميديا