عادةً ما ينزل بي شغف القراءة بضيافة سليل النبوة، ومعمارها الأوحد والأتم والأكمل، الإمام علي (عليه السلام)، فأحظى بشرف الجلوس معه، والتحدث إليه، لأجد روحي سابحةً في فضاء عوالمه الشاسعة الممتدة، مع سريان أنهر من الطمأنينة إلى قلبي، وتجدد دافعي الرغبة والعزم على المكوث أكثر في رحابه صلوات الله عليه، إلا أنني سرعان ما أعمد للقيام بدراسة مقارنة لوضعيتي كمنتمٍ إلى مدرسة هذا الإمام العظيم، وللمنهج الذي صاغه لي كمتولٍ له، وملتزمٍ باتباعه، خطاً ومنهاجاً فكرياً، وأسلوباً في مقام الأداء العملي، الأمر الذي يصل بي إلى النتيجة الصادمة، والمخيبة للآمال بكل المقاييس، لأنها تتخذ شكلاً بيانياً تم ترتيبه على النحو التالي:
* نعم أنت متولٍ لعليٍ، ولكن بحسب العرف والعادة، وليس بفعل القناعة والمحبة، الناشئتين من كثرة البحث والدراسة لشخصيته، والتأمل الواعي لسيرته كقدوة وإمام وحجة، لكونك لم تأتِ إليه بفطرتك السليمة كإنسان يعشق الكمال، ويتطلع إلى مشايعة الإنسان النموذج، ولو أنك عرفت علياً قبل أن تتلوث ذهنيتك بمعرفة شخصيات وثقافات أخرى لكان الحال مختلفاً تماماً بالنسبة لك، إذ سيصبح فيك شيءٌ من عليٍ، باعتبار ما سينعكس على شخصيتك من أخلاقه وفكره، وبمقدار ما ستنطبع به روحك من روحيته، ولست وحدك مَن يعاني من هذا الانفصام والخلل، فهناك الكثير من مدعي الإيمان بولايته عليه السلام يعيشون معك في ذات المربع، ويشاركونك حمل العاهة التي أصابتك عينها، فانظر حولك، أين ستجد علياً من بين كل هؤلاء الخطباء والعلماء، الساسة والوزراء، المفكرين والقادة والأدباء؟ فعلي بالنسبة لهم مجرد اسم اعتادوا على النطق به، كرمز لتثوير عاطفة ساذجة، أو عنوان لتأكيد عصبية مذهبية، أو علامة للتدليل على مدى اختلافنا وتميزنا عن الآخرين، من حيث اختلاف وتميز رمزنا ومثلنا الأعلى عن رموزهم ومثلهم فقط لا غير.
* إن طبيعة التعامل مع علي عليه السلام، من قبل معظم شيعته، أقرب ما تكون مشابهةً حد التماثل لطبيعة تعامل الحفيد مع جده العاشر، الذي لا يهتم لذكره إلا من أجل أن يظهر بعيون جلسائه بمظهر التفوق العرقي، الذي يجعله يعيش ولو لحظة حالة سكر، وغياب عن الوعي، عن حقيقة نفسه المشوبة بالنقص والعجز، ولا بأس أن تبدو على منطقه ووجهه علامات الزهو والخيلاء، كشواهد على شدة ولعه بتحقيق الانتصارات الزائفة.
* قد تسمع ساسة البلد، ورأس هرم السلطة، وجميع وزراء الحكومة يكررون مصطلح: التولي لله، ولرسوله، وللمؤمنين، وهذا حق لا شك فيه، ومعنى لأصل ثابت من أصول الدين الذي ندين الله به، ولكن سلهم: أين المدونة التي ترعى حقوق الأمة، وتبين مبادئ المواطنة المتساوية، والتي يفترض بكم كمتولين للإمام علي، استنتاجها من خلال أقواله، وأفعاله، ومكاتباته ورسائله، طوال مدة حكمه، التي بلغت خمس سنوات، حرص خلالها على بيان ذلك نقطةً نقطة؟
إنهم لا يجدون جواباً لذلك السؤال، ولكنك لن تعدم الوسيلة لاستنتاجه من واقع التجربة معهم، فمَن يعمد لتحوير كلام سيد الثورة، بالحذف، والبتر، والتجزيء، لكي يوظفه لصالحه، في تبرير خطأ، أو تغطية عجز، أو شرعنة ظلم، أو تعميةً عن وجود اختلالات وفساد، وسيد الثورة أيده الله بين ظهرانينا، كيف سيكون تعامله مع علي بن أبي طالب، وبينهما 14 قرناً؟ وإذن: فإن مَن يجرؤ على خيانة مبدأ التولي في الامتداد، سيكون أكثر جرأة على خيانته على مستوى العمق، الذي يمثل له الجذور والأصول، وذاك ما يعبر عنه موقع سيد الأوصياء، عليه من الله أزكى السلام، من هنا تدرك: أنهم يخونون علياً مرتين.
* نقلا عن : لا ميديا