من الطبيعي بل من الواجب هذه الأيام: أن تتبارى الألسن، وتتنافس الأفكار، وتتسابق الأقلام في الكشف عن الهوية الإيمانية، وإبراز أهميتها ودورها في الحاضر والمستقبل، وتركيز معانيها وخصائصها في النفوس والعقول، والإضاءة على مختلف جوانبها من حيث الأصالة المستمدة من صلتها بالدين والرسالة الخالدة، وما لذلك الارتباط من آثار ونتائج على الواقع، بالمعنى الإيجابي، في ما لو استطعنا الاستفادة من المحطات المضيئة في ماضينا، والجوانب المشرقة من تاريخنا، بحيث نجعلها أساساً تربوياً، وأصلاً فكرياً، وعنصراً داخلاً في بنية الذات وتكوينها، سواءً الذات الفردية أو الجماعية، ولن نعدم في ذلك كله الوسيلة التي ستعيننا على فهم الحاضر ومتطلباته، متى ما فهمنا الماضي ومخرجاته، وأدركنا الفرق بيننا وبين الآخرين، وعرفنا أنفسنا على ضوء ما تحدده لنا هذه الهوية من مبادئ، وترسمه من أهداف، وتلزمنا به من مهام وواجبات وأدوار، وتمنحنا من شواهد على عظمتها، من واقع التجربة المعاشة، خلال ثمان سنوات، برزت فيها نماذج إنسانية مشرفة، والتي استطاعت ضرب أروع الأمثلة في البطولة والتضحية، والسخاء والعفة والنزاهة والشجاعة والإقدام وحب الناس، والعمل في سبيل الله، والمستضعفين، وما كان لها أن تبلغ ما بلغته من علو الدرجة، وعظيم المقام عند الله وعند خلقه، لولا اعتمادها على الهوية الإيمانية، وتبنيها لكل مفاهيمها وقيمها وإبعادها، وتمثلها لشخصيات ونماذج برزت في تجسيدها في مراحل الإسلام الأولى، كقدوات صالحة، ومثل عليا يجب التزام نهجها وخطها، وإحياء أثرها، فكانوا الامتداد الطبيعي لهم، والصورة المعبرة عن بقائهم الخالد بخلود الرسالة التي انطلقوا لدفاع عنها، وتأكيدها والحفاظ على سلامتها، وصون أسسها ومكتسباتها.
لقد علمنا أولئك الصفوة الأخيار: أن الهوية الإيمانية ليست نسبا نكتفي بالتغني به، ونكثر من تعداد المفاخر المترتبة على الانتماء إليه، كما ليست آثاراً ونقوشا وتماثيل نجهد في البحث عنها في باطن الأرض، وإنما هي دين يجب التزامه، وقرآن يجب اعتماده كنهج ومشروع، ورسالة لا بد من تمثلها بكل مضامينها وإيحاءاتها، وشرف لا يستحقه إلا مَن كان انتماؤهم لها متبوعاً بالتزام عقيدي، وتوجه عملي، ما لم فسنة الاستبدال قائمة، في ما لو اكتفينا بما تحقق لنا من فضل، وجاء به من حديث أو أثر، وأجلته من سابقة في سوح التفاني والإخلاص، فليس هنالك من عبرة يمكن الاستفادة منها أكثر من بني إسرائيل بهذا الخصوص، من هنا ندرك: أن الهوية الإيمانية لا تكتسب بالوراثة، ولا تعطى بحسب العرف والعادة، وإنما هي نهج وسلوك وخلق وتوجه عملي، وقليل هم مستحقوها، والعاملون بمقتضاها.
وليت الذين أتعبوا أنفسهم في إقرار برنامج الإحياء لعيد الأعياد، يعون: أن الاحتفاء بهذا اليوم شأن من شؤوننا كشعب، وأمر متعارف عليه بيننا، ومن الأشياء المقدور علينا القيام بها على أكمل وجه، إذ ستحتشد القرائح، ويتدفق الإبداع، ويتحفز المفكرون والكتاب والمثقفون لقول ما بوسعهم في هذا اليوم، وستصدح الألحان والأهازيج، وتعم الفرحة كل دار، لذلك ليست مهمتهم أن يعلمونا كيف نحتفل بيوم إخراجنا من الظلمات إلى النور، وسنتكفل كشعب بكل متعلقات الاحتفال ولوازم التعريف بهذا اليوم، وإظهار كل معاني الفرح والسرور والبهجة، فليدعوا لنا أمر الاحتفال، وليتجهوا للعمل في سبيل الإعطاء من خلال عملهم وفاعليتهم القدوة التي تحمل الهوية برنامجاً عملياً، بالمستوى الذي يرينا كل وزارة نموذجاً في التزامها، ومثالاً لبيان عظمتها، وشرح وتوضيح معانيها ودلالاتها، وإبراز الثمار الناتجة عن التمسك بها، والحفاظ عليها، والدعوة لتعميمها على الواقع كله.
* نقلا عن : لا ميديا