وقفنا بالأمس على أهم العوامل والأسس التي تحتاجها حركات التغيير الثورية، السائرة على صراط الله المستقيم، والقائمة بدورها من منطلق الالتزام الكلي بوحيه وتعاليمه سبحانه وتعالى، والحاملة لأمانة الرسل والأنبياء عليهم السلام، بإكمال مهمتهم، وتحقيق كل ما اشتملت عليه رسالتهم في الحياة من أهداف، والحفاظ على طهارة وصفاء وقوة وعمق وسعة المشروع الذي جاؤوا به، وأتمته وثبتـــــت قواعـــده ومبانيه الرسالــة الخاتمــــــة لنبينا الأكرم، محمد رسول الله، صلوات الله عليه وعلـــــى آله وسلم، وصانته من التحريف والبتر والتزييف والتغييب والافتراء عليه بزيادة أو نقصان جهود وتضحيات ودماء وأفكار أئمة أهل البيت، ومَن سار بسيرتهم، والتزم ولايتهم، عبر العصور، وقلنا: إن ما تحتاجه الثورات التغييرية، التي تنهض بها حركات رسالية، منطلقها إحقاق الحق في كل شيء، هو: الرجال الحقيقيون، الذين يجب أن يتصدروا المشهد الحركي، ويراقبوا المسار العملي، في كل وقت وحين، ويبقوا في مواقع الحراسة للثورة، بكل يقظةٍ وحذر، ويتجهون إلى كل الميادين والساحات، حفاظاً على سلامة النهج والخط، وتأكيداً على بقاء المشروع، وتدعيماً لاستمرارية تجدده وعطائه وحيويته، ورغبةً بإزالة كل العوامل التي تتجه لتجميده، أو تعطيله، بإفراغه من محتواه، وتحجيم دوره، والحد من القابلية له في نفوس المجتمع.
إن هؤلاء الرجال لا تتشكل نواة وجودهم في الميدان بقرار أو مرسوم حكومي، ولا تتحدد مهامهم وأدوارهم على أساس المواقع والبنى التنظيمية، ولا يأخذون مشروعيتهم من خلال ما لديهم من علاقات وصلات ونفوذ وتأثيرات ومكانة وسلطة داخل مجتمعهم، وإنما تكون حركتهم العملية تجسيداً لأثر الإيمان في نفوسهم، وإثباتاً لمدى اجتهادهم في الوصول إلى مستوى الكمال الإيماني، الظاهر في كل عمل صالح يعملونه، وبذلك يكونون هم صفوة المجتمع، وطليعة البناء والتغيير فيه، وخلص الموفين بعهد الله، وأمانته في عباده وبلاده، يعرفهم الناس من خلال: الأفكار السليمة التي يثيرونها، والأخلاق العالية التي يمتازون بها، والسلوكيات المتزنة التي تنطبع بها كل تصرفاتهم وأعمالهم.
وهكذا يتخذون مواقعهم كصفوة وطليعة جهادية ثورية واعية نهضوية، بعيداً عن تزكية فلان أو علان، وبمعزلٍ عن تقييم وتفنيد الغرف السرية، وتأثير السلطات واتجاهات رجال الدين أو السياسة، لأن كل تلك الأمور لا تخلو من التهويمات والشطط والبعد عن الحقيقة، وإنما وصلوا إلى ما وصلوا إليه بفعل اشتغالهم على صلاح باطنهم وظاهرهم، وكفى بذلك دليلاً على إثبات أنهم أهلٌ لتلك المهام والأدوار التي يضطلعون بها، ويكفيهم شرفاً أنهم: لم يكونوا يوماً صداً لأصوات وأفكار الآخرين، ولا حركةً مضبوطة بدقات وعزف إيقاعي قام بها نافذون، أو استهوت القيام بها غالبية جماهيرية، أو هيئة أو تنظيم حزبي، أو تيار سياسي، وإنما كان مرجعهم، وضابط حركتهم، ومصدر قوتهم، ومنطلق قولهم هو: الله، بما يجدونه في كتابه من تعاليم وتوجيهات ونواهٍ وأحكام وسنن وقوانين وتشريعات ومبادئ ونظم ومعايير وأخلاقيات.
ويبقى الباب مفتوحاً أمام تطلع المؤمنين للقيام بدور الصفوة والطليعة، التي من أبرز مهامها وخصائصها: التصدي ومواجهة الانحرافات، وتعزيز الوعي الشعبي في كل المجالات، والسعي لأجل تحقيق العدالة، والعمل على منع الظلم، وإزاحة ورفع وتجفيف وإنهاء كل ما يتقاطع مع الكرامة الآدمية، أياً كان مصدره أو شكله أو لونه أو موقعه أو اعتباره، ولا يشترط بحق مَن يقوم بهذه المهام أن: يكون من طبقة اقتصادية واجتماعية مرموقة، أو صاحب نفوذ في السلطة، كل ما عليه هو: أن يتحلى بمجموعة من الخصائص التي تجعله في مقام الصفوة من جنود الله، والعاملين في سبيله، ولعل أبرز تلك الصفات أو الخصائص هي: العلم، والبصيرة، والعبودية المطلقة لله، العبودية التي تقوم على معرفته سبحانه، والتزام التقوى في كل شيء، وذاك وحده هو ما يمكنه تأهيل أي إنسان، ليصبح يوماً ما أحد قادة المجتمع نحو الخير والحق والعدالة.
* نقلا عن : لا ميديا
طباعة الصفحة
مقالات ضدّ العدوان
فيسبوك 
تويتر 
يوتيوب 