كان خيار الصلح هو الخيار الوحيد بالنسبة للإمام الحسن عليه السلام، باعتبار الوضعية التي كان يعيشها أبناء مجتمعه، وقد أملى الإمام شروطه على معاوية، من تلك الشروط: أنه لا يحق لمعاوية أن يعهد بالحكم لأحد من بعده، وأن يكون الأمر للحسن عليه السلام، فإن حدث به حدث فلأخيه الحسين عليه السلام، وأن يكف عن سب أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام، والقنوت عليه في الصلاة، وألا يذكره إلا بخير، وأن الناس آمنون حيث كانوا في أرض الله، وغير ذلك من الشروط التي يترتب على تطبيقها الحفاظ على الإسلام ودماء وأعراض ومصالح المسلمين.
لقد أراد الإمام الحسن من خلال الصلح إطلاع الأمة على حقيقة معاوية وبني أمية كما هي، وترى بنفسها ثمار تقاعسها عن ردعهم وقتالهم، ومن ثم تهيئة الأرضية لولادة مجتمع جديد، مجتمع يكون قادراً على رفض الظلم ومواجهة الانحراف والفساد، وهكذا فإن ردة الفعل لدى الناس ستكون كبيرة ومؤثرة، عندما يطلعون على حقيقة سياسة معاوية، ويلمسون بأنفسهم أن كل ما كان يمنيهم به قد ذهب أدراج الرياح، ويتجرعون المعاناة والآلام بإزاء حاكم طاغوتي لا يفي بشرط، ولا يبر بعهد، ولا يراعي حرمة، لكن للأسف فقد جهل ذلك المجتمع قدر نفسه، ولم يعد يستفيد مما يرى ويسمع من أمور، مجتمع مات مع أنه لايزال يأكل ويشرب ويمشي ويتنفس.
لذلك استحق كل ما أذاقه معاوية من ويلات، وجرى على يديه إليه من نكسات وصدمات، فها هو معاوية ما إنْ شعر بأن الأمر كله قد بات بقبضته، وأن كل شيء قد اتسق له، حتى دخل الكوفة، وقام في أهلها خطيباً، ومما قاله حينذاك: إني والله ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك، وأنتم له كارهون، ألا وإني منيت الحسن، وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدمي، لا أفي بشيء منها له.
والعجيب أن ذلك المجتمع الذي كان يرفض القتال لله في صف الحق بقيادة علي والحسن، بات في ظل حكم معاوية رأس الباطل يساق لقتال مَن يرغب معاوية بقتاله رغماً عنه، وذاك لعمري مصداق لما قاله الشهيد القائد: من لم يقاتل طائعاً في صف الحق، فسوف يأتي اليوم الذي يجد نفسه مقاتلاً في صف الباطل رغماً عنه.
* نقلا عن : لا ميديا