إن أعظم الكوارث وأفظع المصائب التي وقعت على رأس الأمة، حينما أتاحت لمعاوية إمكانية الوصول إلى سدة الحكم، ومن بعده لكافة نتاج الشجرة الملعونة، بفرعيها السفياني والمرواني، هي: تلك الكارثة والمصيبة التي أسست على يد الأمويين لوجود فرق جديدة، تقدم تفسيراً منحرفاً للدين، بالمستوى الذي يقتله في نفوس المنتمين إليه، متى ما امتلكوا الحرية والإرادة في البحث والتفكير خارج دوائر العادة والوراثة واتباع المألوف، والتسليم لكل ما يفرضه المجتمع والسلطة على الفرد أو الجماعة، فقد استطاع الأمويون اختراع فرق باسم الدين لخدمة سياساتهم، بحيث جعلوا من الدين حارساً على باب قصر السلطة، وكانت فرقة المرجئة أول مولود غير شرعي ينتسب للإسلام زوراً، فمضت تطرح سمومها في القلوب والعقول، إذ اعتبرت الإيمان مجرد اعتقاد قلبي فقط، فاستقر بذلك لدى الناس مفهوم: أنه لا تضر مع الإيمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة.
وهكذا انتشر الفساد في المجتمع، وعم كل نواحي الحياة والوجود، بالإضافة إلى توفيرها حصانة مطلقة للحاكم، مهما كان فساده وظلمه وانحرافه، فكل ما يعمله يقره الشرع، ولو قام بارتكاب كل الموبقات، واقتراف جميع الآثام!
ولكي يتم القضاء على الإنسان في المجتمع المسلم برمته، اتجه الأمويون إلى اختراع فرقة أخرى، تشبه إلى حدٍ ما الفرقة السالفة الذكر من حيث النتائج، وهي الفرقة الجبرية، التي ترى الإنسان مخلوقا عاجزا، مجبورا على عمله، لا يملك إرادة أو اختيارا في ذلك كله، وقد ذكر بعض المؤرخين أن أول مَن قال بالجبر، وفرضه على الواقع الإسلامي هو معاوية، وذلك لكي يكون وسيلة لتبرير كل ما سيقدم عليه من أفعال، وسبيلا لالتماس العذر له لدى العامة في كل ما سيعمد لارتكابه من جرائم، وبذلك يصبح الاعتقاد لدى الناس بأنه مصيبٌ في كل شيء، فالله هو الذي اختاره، وجعله خليفة، وولاه أمرهم، ومن بعده سار بذات المسار جميع ملوك بني أمية.
لقد كان الأمويون ومثلهم كل عباد الكراسي والسلطان والجاه يكرهون كراهيةً شديدةً كل قول أو فكرة يستطيع الناس من خلالهما معرفة أن كل إنسان حر مريد، دينياً وسياسياً، لكون الجبر يخدم سياساتهم، إذ إن الله الذي يسير الأمور كلها هو الذي فرضهم على الناس، كما فرض الصلاة والزكاة والصيام والحج وسواها، وإنهم قضاء الله وقدره، الذي يجب الخضوع له، ولا تجوز مخالفته، ومَن يخالفه، ويتمرد عليه فقد رضي على نفسه بالكفر.
* نقلا عن : لا ميديا