إن الإسلام المحمدي الأصيل منظومةٌ متكاملةٌ من الأفكار والمبادئ والقيم والأخلاقيات التي تهب الحياة بمعناها العام مضامينها ودلالاتها، والدليل على أنه دينٌ للحياة والإحياء هو إيمانه بمبدأ السببية والعلة، كأساسٍ قائمٍ عليه نظام الكون، ومنطلقةٍ على ضوئه حياة وحركة كل المخلوقات والموجودات، وهذا المبدأ كفيلٌ بإيجاد مسلمين حقيقيين، يتحركون في كل مواقع وميادين الحياة بطريقةٍ واقعية، تأخذ في الحسبان الظروف الطبيعية التي تحيط بالأشياء، وتقف وراء وجودها، وتعمل على دراسة وفهم واستيعاب السنن والقوانين التي تحكم المسيرة الوجودية للبشرية في كل جيل، وتؤدي بالنهاية دورها القاضي بزوال أمة، وانهيار حضارة ما، وولادة أمة وحضارة جديدتين.
وهكذا يصبح الإيمان بالغيب دافعاً للبحث عن الأسباب التي تقف وراء كل ظاهرة في الكون، إذ لا يمكن لها أن تتحرك في الفراغ، أو تخضع لطبيعة الصدفة، فالله سبحانه وتعالى قد جعل لكل شيءٍ قدراً، لذلك من المهم جداً أن يقودنا هذا الوعي لمفهوم الغيب وإيحاءاته إلى معرفة أن الحياة بمختلف مجالاتها وجوانبها، ولاسيما الجانب الاجتماعي؛ محكومةٌ بنظم وقوانين يجب السعي لاكتشافها والتعرف عليها، لكي تصير منطلقاً لبناء المجتمع المثالي أو المدني بمدلولهما الإسلامي الأصيل، الذي يقرر أن علينا تغيير ظروفنا وأوضاعنا وحل مشكلاتنا، ومعالجة كل السلبيات والمفاسد التي تحيط بواقعنا بناءً على ما توفر لنا من علوم ومعارف كانت خلاصة ما توصلت إليه البشرية، وبالقدر الذي يجعلها قادرة على مدنا بالمعايير والحلول والمعالجات التي تتفق وتطورات العصر، وتلبي حاجة الإنسان في زمن المتغيرات الكبرى، والحياة التي تسير بجنون على كل صعيد، وإذا لم ننجح في ذلك فسوف يكون التلاشي والانهيار نصيبنا الوحيد، ولو أننا أعدنا النظر في دراسة الأسباب والتداعيات التي أدت إلى انهيار المسلمين من الداخل، وجعلتهم خارج دائرة التاريخ، لأدركنا أنهم فشلوا علمياً ومعرفياً، فسقطوا عملياً وأخلاقياً.
* نقلا عن : لا ميديا