قلنا بالإمس: إن المؤمن الحقيقي هو ذلك الشخص الذي يتجلى إيمانه في ما يتحمله من مسؤولية تجاه نفسه، وتجاه الكون والإنسان، كخليفةٍ لله، وعبدٍ له، وهو كذلك الحر المختار المريد أمام كل القوى والتيارات والفئات والطبقات والشخصيات الجاعلة من نفسها إلهةً من دون الله، وهو أيضاً مَن لا تشكل الظروف والعوائق والمتغيرات والأحداث والحروب والنزاعات وكافة التحديات عقبةً أمامه، أو عاملا من العوامل التي تشل حركته، وتزلزل كيانه، وتسقطه من الداخل، لكون الأحداث والمتغيرات وسواها ليست هي التي تصنع التحولات في نفسه وواقعه، بل هو الذي يؤثر فيها، ويصنع من خلالها التحولات الكبرى، ويحقق من واقع استفادته منها، وفهمه لطبيعة حركتها التغييرات الجذرية للواقع السلبي برمته، إلى الحد الذي يجعلك تعيش رحابة الإيمان، وعظمة وصحة ومصداقية العقيدة في كل ما تلمسه من مظاهر إيجابية طغت على كل جانب وميدان وساحة للواقع والحياة.
إن الإيمان الحقيقي، الذي يصبح الهوية والقيمة والمبدأ والموقف لصاحبه هو الذي يكسب الدنيا معاني القداسة والأبدية والفلاح الأخروي، ويلبس الأرض كل الأطر والمعاني والقيم الإلهية، ويعطي لكل عملٍ يعمله معتنقوه أياً كان صفةَ الواجبِ الشرعي، باعتباره واحداً من المفاهيم التي يبرز من خلالها معنى العبادة المراد من الإنسان أداؤها قربةً إلى الله، وهذا الأمر متى ما تحقق؛ استطعنا الاستفادة من كل ظواهر الكون، والفهم لكل مفردات الطبيعة، وتسخير كل ما فيها من إمكانات لصالحنا، وهنا تتجلى قيمة وعظمة وأهمية الإيمان كهوية، بعيداً عن تزييف الزائفين والمزيفين والمزَيَفين، الذين جعلوا الهوية الإيمانية في كل نمط وسلوك ومظهر يعيد إلى الأذهان تجربة الوهابية في نجد قبل الانفتاح والتعري والتطبيع والانبطاح العلني، ويعمم في الأوطان تجربة طالبان الأفغان الحالية، لذلك لا بد من مواجهتهم في كل الميادين، والتصدي لكل محاولاتهم البائسة في التغطية والتلبيس على الحق بالباطل، والتشويه والمسخ لكل مفاهيم الإسلام المحمدي العلوي الحسيني الأصيل، الذي متى ما آمنا به إيمانَ وعيٍ فكري، والتزامٍ عملي؛ استطعنا تفجير كل الطاقات والإمكانات المتوفرة لدى إنسان مجتمعنا، وتمكنا من سد كل الفراغات، وجبر كل الكسور والأضرار، والتخلص من كل الاختلالات التي يعاني منها واقعنا، إذ سنجد كل ما نحتاجه من خبرات ومواهب وقدرات يتطلب تحقيق النهوض والتغيير وجودها.
إن الهوية الإيمانية كما يقدمها سيد الثورة حفظه الله هي تلك المعاني والقيم والمبادئ والأخلاقيات التي تحيي الإنسانية في فكر ووجدان وروحية أصحابها، من منطلق الوعي للأفكار التي تضمنها الدين ذاته، بمعزل عن تأثير التحريف والانحراف، وعياً تاماً، يتحقق بموجبه العلم والإدراك لمرتكزاته وأبعاده الكونية الإنسانية، فهو في الأساس والجوهر دينٌ إنساني شامل.
* نقلا عن : لا ميديا