لم تمر المسيرةُ القرآنية بمنعطفٍ من المنعطفات طوال تاريخها الجهادي والثوري التغييري الشامل إلا ووجدنا الكثير من الحقائق والشواهد التاريخية التي تثبت وبما لا يدع مجالاً للشك، أن هذا المشروع هو ذاته مشروع الرسل والأنبياء عليهم السلام، الذين حملهم الله سبحانه وتعالى مسؤولية بناء وتغيير الواقع والنفوس البشرية على ضوئه. وقد مثل الرسول الأكرم صلوات الله عليه وآله وسلم، بما أنزله الله إليه من الكتاب، مبلغَ كمال دين الله، ومنتهى شموليته واستيعابه للكون كله. من هنا تحرك صلى الله عليه وآله لإرساء أسس الرسالة العالمية الخاتمة، والتي كان القرآن الكريم روحها ومادتها، وأصلها وفرعها، ومبعثها ومنطلقها. وها هي المسيرة القرآنية، مشروعاً وقيادةً وثورةً، تؤكد ارتباطها بالأصل الإلهي، وتمثلها للمسلك والدرب المحمدي، وانبثاقها عن تجربة وحركة الرسول والرسالة، واستهداءها بالهدى ذاته، واقتداءها برسول الله، وتوليها له ولأهل بيته صلى الله عليهم وسلم أجمعين، وذلك ليس من خلال الخطب والمواعظ، ولا محاولات التأصيل الثقافية والفكرية والعقيدية التي تتخذ من البحث والدراسة سبيلاً لها، وإنما من خلال الأحداث والظروف والمخاطر والتحديات والطرق والأساليب والأمانات التي صاحبت الحركة النبوية في مرحلة السعي لبناء وتأسيس الدولة والمجتمع الإسلامي الأول، وصاحبت وتصاحب حركة المسيرة القرآنية منذُ النشأة، وصولاً إلى الفتح والثورة التي أسست لبناء يمن 21 أيلول، الذي قام على مستند إسلامي، وانطلق من منطلق هوية إيمانية، ببعدها العميق والحيوي والسامي كما يقدمها سيد الثورة حفظه الله، لا بمفهومها التجزيئي الضبابي القاصر المقصر كما يقدمها امتداد كعب والدوسي وعروة والزهري، وحتى هذه اللحظة، فكل ما مر بالتجربة والحركة النبوية على امتداد تاريخ صدر الإسلام، خلال بضعٍ وعشرين سنة نستطيع أن نقرأه اليوم في صفحات الواقع المعاش والمشاهد، قبل أن نتصفحه بين طيات مؤلفات كتاب التاريخ والسير والمغازي ومصنفات الرواة والإخباريين.
هكذا هو القرآن لمَن يتحركون بحركته، فهم الأكثر اتحاداً وامتزاجاً بالرسول والرسالة، وإن جاؤوا بعد زمن الرسول صلى الله عليه وآله بآلاف القرون وملايين السنين، وليس بخمسة عشر قرناً فقط.
ولكن يلزمنا الوقوف طويلاً مع تاريخ الرسول والرسالة، لكي نأخذ بكافة الدروس والعبر التي يحتاجها اليوم واقعنا، والذي شكل امتداداً لحركة الرسول والرسالة بكل ما يوحي به لفظ الامتداد من معانٍ ودلالات، فنحن اليوم لم نعد في مرحلة التأسيس للمجتمع، وإقامة الكيان الثوري التغييري المجاهد، ولا في مرحلة المواجهة لبني قومنا من كيانات وأنظمة الجاهلية العربية الأعرابية الأخرى، ولا في مرحلة التحرك المحدود لدرء خطر الأوكار والجيوب التابعة لليهود والمنافقين؛ ولكننا اليوم في مرحلة الصراع مع الاستكبار العالمي، ممثلاً بالكفار من أهل الكتاب، ووجهاً لوجه، الأمر الذي يوجب علينا الأخذ بكل مضامين «سورة التوبة»، وكل ما عمله رسول الله في واقعة تبوك، أو العسرة، لكوننا اليوم نعيش امتداد هذه الواقعة، ونواجه الامتداد الطبيعي لإمبراطورية الروم، ونسعى للأهداف والمبادئ والقيم ذاتها التي سعى لها رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله.
وإذن، فلا فرق بين عدو الأمس العالمي وعدو اليوم، والعسرة هي العسرة عينها، سواءً جرت أحداثها في تبوك أم في باب المندب والبحر الأحمر، وسواء أطلت بوجهها المحمدي أم عبرت عن الامتداد الطبيعي له، بوجوه وسواعد يمنية، وروح وراية وقيادة علوية.
* نقلا عن : لا ميديا