قـد يقول قائلٌ: ما جدوى استمرارية أقلامكم بالكتابة، وألسنتكم بالنطق بكل حديثٍ تريدون من خلاله إصلاح وضع وتقويم اعوجاج، وتصحيح مسار، في الوقت الذي لا يهتم بما تكتبونه المعنيون، ولا يعبه بكل ما تطرحونه المختصون؟ فالأوضاع التي تتناولونها بكتاباتكم تزداد تعقيداً، والسلبيات التي تقومون بتنبيه المعنيين تجاهها تزداد اتساعاً وتمدداً، وكأنكم تتحدثون مع أنفسكم، وتدورون في محيطٍ لا تسمعون فيه سوى خطواتكم وارتجاع صدى أصواتكم، أما مَن تودون الوصول إلى عقولهم وقلوبهم ومسامعهم فهم في بروجٍ مشيدةٍ، ينظرون من خلالها إلى كل مَن يعمل عملكم بعين الريبة، مصنفين كل كلمةٍ أطلقتموها إحقاقاً لحق، أو إماتةً لباطل، أو نصرةً لمظلوم، أو محاربةً لفاسد، على أنها سهمٌ من سهام العدوان الغاشم على البلاد والعباد، وشكلٌ من أشكال حروبه المتنوعة التي يشنها عليكم، وعليه فلماذا تقحمون أنفسكم في ما لا فائدة فيه، ولا نفع يُرتجى من خلاله؟ دعوا الخلق للخالق، ودعوا «ما لله لله وما لقيصر لقيصر».
وهكذا يتمكن أصحاب هذا التوجه من إقناع الكثيرين بأفكارهم تلك، لأن معظم من يعملون في ميدان الكلمة لا ينطلقون في عملهم ذاك من منطلق عقائدي راسخ، يجعلهم يعيشون الإيمان وضوحاً في الرؤية، ونوراً في الفكر، وسلامةً في التصورات، وثباتاً في الموقف، واستمراريةً في السير على طريق الهدى، ضمن أمةٍ وُجدت لتكون العنوان الجامع لكل مظاهر الخير، وذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كأساسين ثابتين في الماهية التكوينية والسلوكية والروحية، وكبعدين هامين تتحدد بموجبهما الهوية الجامعة لكل مَن يؤمنون بالله سبحانه، بحيث يصبح عملهم كله مبنياً على أساس هذين البعدين ومضبوطاً بضابطهما.
إن الذين نذروا أنفسهم وأوقاتهم، وسخروا أقلامهم وألسنتهم ومواهبهم، نصرةً لله، وتقويةً للحق، يطلقون كلماتهم وهم متسلحون بالأمل، الذي به يتحركون في قلب الظلمات، ليصنعوا من خلال ثقتهم بالله، وإيمانهم بقدراتهم وإمكانياتهم التي أودعها الله في تركيباتهم الذاتية المادية والمعنوية، إلى جانب كل ما سخره لهم في الأرض والسماوات، مقالعَ الضوء المبددة لكل الظلمات في مطالع الشروق، فلا يأس ولا انهزامية، فيوم ما سيأتي لنهدم فيه كل تلك الأسوار المبنية من الصخور الصماء، التي تحول بيننا وبين التغيير الكامل والإصلاح التام والحقيقي، نعم سنهدم كل تلك الأسوار ببشريها وحجريها، ونستأصلها من جذورها، ناهيك عن أن نؤثر فيها.
* نقلا عن : لا ميديا